فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ} (164)

قوله : { لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى المؤمنين } جواب قسم محذوف ، وخص المؤمنين لكونهم المنتفعين ببعثته . ومعنى : { منْ أَنفُسِهِمْ } أنه عربيّ مثلهم ، وقيل : بشر مثلهم ، ووجه المنة على الأوّل : أنهم يفقهون عنه ، ويفهمون كلامه ، ولا يحتاجون إلى ترجمان .

ومعناها على الثاني : أنهم يأنسون به بجامع البشرية ، ولو كان ملكاً لم يحصل كمال الأنس به لاختلاف الجنسية ، وقرئ : { منْ أَنفُسِهِمْ } بفتح الفاء ، أي : من أشرفهم ، لأنه من بني هاشم ، وبنو هاشم أفضل قريش ، وقريش أفضل العرب ، والعرب أفضل من غيرهم ، ولعلّ وجه الامتنان على هذه القراءة : أنه لما كان من أشرفهم كانوا أطوع له ، وأقرب إلى تصديقه ، ولا بد من تخصيص المؤمنين في هذه الآية بالعرب على الوجه الأوّل ، وأما على الوجه الثاني ، فلا حاجة إلى هذا التخصيص ، وكذا على قراءة من قرأ بفتح الفاء لا حاجة إلى التخصيص ؛ لأن بني هاشم هم أنفس العرب ، والعجم في شرف الأصل ، وكرم النجاد ، ورفاعة المحتد . ويدل على الوجه الأوّل قوله تعالى : { هُوَ الذي بَعَثَ فِي الأميين رَسُولاً منْهُمْ } [ الجمعة : 2 ] وقوله : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لكَ وَلِقَوْمِكَ } [ الزخرف : 44 ] . قوله : { يَتْلُو عَلَيْهِمْ آياته } هذه منة ثانية ، أي : يتلو عليهم القرآن بعد أن كانوا أهل جاهلية لا يعرفون شيئاً من الشرائع { وَيُزَكّيهِمْ } أي : يطهرهم من نجاسة الكفر ، وهذه الجملة معطوفة على الجملة الأولى ، وهما في محل نصب على الحال ، أو صفة لرسول ، وهكذا قوله : { وَيُعَلّمُهُمُ الكتاب } ، والمراد بالكتاب هنا : القرآن . والحكمة : السنة . وقد تقدّم في البقرة تفسير ذلك : { وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ } أي : من قبل محمد ، أو من قبل بعثته : { لَفِي ضلال مبِينٍ } أي : واضح لا ريب فيه ، واللام للفرق بين إن المخففة من الثقيلة ، وبين النافية ، فهي تدخل في خبر المخففة لا النافية ، واسمها ضمير الشأن ، أي : وإن الشأن ، والحديث ، وقيل : إنها النافية ، واللام بمعنى إلا ، أي : وما كانوا من قبل إلا في ضلال مبين ، وبه قال الكوفيون ، والجملة على التقديرين في محل نصب على الحال .

/خ164