قوله عز من قائل : { لقد منّ الله على المؤمنين } في النظم وجوه منها : أن هذا الرسول نشأ فيما بينهم ولم يظهر منه طول عمره إلا الصدق والأمانة ، فكيف يليق بمن هذا حاله الخيانة ؟ ومنها كأنه تعالى قال : لا أكتفي في وصفه بأن أنزهه عن الخيانة ولكني أقول : إن وجوده فيكم من أعظم نعمي عليكم . ومنها أنكم كنتم خاملين جاهلين وإنما حصل لكم الشرف والعلم بسبب هذا الرسول ، فالطعن فيه طعن فيكم . ومنها أن مثل هذا الرجل يجب على كل عاقل أن يعينه بأقصى ما يقدر عليه ويكون معه باليد واللسان والسيف والسنان ، فيكون المقصود العود إلى ترغيب المسلمين في الجهاد . ومعنى المنّ ههنا الإنعام على من لا يطلب الجزاء منه . والوجه في المنة إما أن يعود إلى أصل البعثة ، وإما أن يعود إلى بعثة هذا الرسول . فمن الأول أن الخلق مجبولون على النقصان والجهالة ، والنبي يورد عليهم وجوه دلائل الكمال ويزيح عللهم في كل حال . وأيضاً إنهم وإن شهدت فطرتهم بوجوب خدمة مولاهم لكن لا يعرفون كيفية تلك الخدمة إلى أن يشرحها النبي صلى الله عليه وسلم لهم . وأيضاً أنهم جبلوا على الكسل والملل فهو يورد عليهم أنواع الترغيبات والترهيبات فيزول فتورهم ويتجدد نشاطهم . وبالجملة فعقول البشر بمنزلة أنوار البصر ، وعقل النبي بمنزلة نور الشمس . فكما لا يتم الانتفاع بنور البصر إلا عند سطوع نور الشمس ، فكذلك لا يحصل الاهتداء بمجرد العقل ما لم ينضم إليه إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم . ومن الثاني أن هذا الرسول بعث { من أنفسهم } أي من جنسهم عربياً مثلهم ، أو من ولد إسماعيل كما أنهم من ولده .
فعلى هذا يكون المراد بالمؤمنين من آمن مع الرسول من قومه . وخص المؤمنين منهم لأنهم هم المنتفعون به ، ووجه المنة أنه إذا كان اللسان واحداً سهل عليهم أخذ ما يجب أخذه عنه ، وإذا كانوا واقفين على أحواله في الصدق والأمانة كان ذلك أقرب لهم إلى تصديقه والوثوق به . وفيه أيضاً شرف لهم وفخر كما قال :{ وإنه لذكر لك ولقومك }[ الزخرف :44 ] وذلك أن الافتخار بإبراهيم صلى الله عليه وسلم كان مشتركاً فيه بين اليهود والنصارى والعرب . ثم اليهود والنصارى كانوا يفتخرون بموسى وعيسى وبالتوراة والإنجيل ، وما كان للعرب ما يقابل ذلك . فلما بعث الله محمداً وأنزل القرآن صار شرف العرب بذلك زائداً على شرف جميع الأمم . وقيل : { من أنفسهم } أي من جنس الإنس لا من الملك لأن الجنس إلى الجنس أميل . ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن فاطمة أنهما قرآ { من أنفسهم } بفتح الفاء أي أشرفهم ، وعلى هذا يكون المؤمنون عاماً . ويحتمل أن يراد بهم العرب ويصح لأن عدنان ذروة ولد إسماعيل ، ومضر ذروة نزار بن معد بن عدنان ، وخندف ذروة مضر ، ومدركة ذروة خندف ، وقريش ذروة مدركة ، وذروة قريش محمد صلى الله عليه وسلم . وأما سائر أوصافه من قوله : { يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة } فقد مر تفسيرها في البقرة عند قوله :{ ربنا وابعث فيهم رسولاً }[ البقرة :129 ] وإعراب قوله : { وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } كما سلف في قوله :{ وإن كانت لكبيرة }
[ البقرة :143 ] ومعنى المنة فيه أن النعمة إذا وردت بعد المحنة كان موقعها أعظم . فبعثة هذا الرسول عقيب الجهل والذهاب عن الدين تكون أعم نفعاً وأتم وقعاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.