غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ} (164)

161

قوله عز من قائل : { لقد منّ الله على المؤمنين } في النظم وجوه منها : أن هذا الرسول نشأ فيما بينهم ولم يظهر منه طول عمره إلا الصدق والأمانة ، فكيف يليق بمن هذا حاله الخيانة ؟ ومنها كأنه تعالى قال : لا أكتفي في وصفه بأن أنزهه عن الخيانة ولكني أقول : إن وجوده فيكم من أعظم نعمي عليكم . ومنها أنكم كنتم خاملين جاهلين وإنما حصل لكم الشرف والعلم بسبب هذا الرسول ، فالطعن فيه طعن فيكم . ومنها أن مثل هذا الرجل يجب على كل عاقل أن يعينه بأقصى ما يقدر عليه ويكون معه باليد واللسان والسيف والسنان ، فيكون المقصود العود إلى ترغيب المسلمين في الجهاد . ومعنى المنّ ههنا الإنعام على من لا يطلب الجزاء منه . والوجه في المنة إما أن يعود إلى أصل البعثة ، وإما أن يعود إلى بعثة هذا الرسول . فمن الأول أن الخلق مجبولون على النقصان والجهالة ، والنبي يورد عليهم وجوه دلائل الكمال ويزيح عللهم في كل حال . وأيضاً إنهم وإن شهدت فطرتهم بوجوب خدمة مولاهم لكن لا يعرفون كيفية تلك الخدمة إلى أن يشرحها النبي صلى الله عليه وسلم لهم . وأيضاً أنهم جبلوا على الكسل والملل فهو يورد عليهم أنواع الترغيبات والترهيبات فيزول فتورهم ويتجدد نشاطهم . وبالجملة فعقول البشر بمنزلة أنوار البصر ، وعقل النبي بمنزلة نور الشمس . فكما لا يتم الانتفاع بنور البصر إلا عند سطوع نور الشمس ، فكذلك لا يحصل الاهتداء بمجرد العقل ما لم ينضم إليه إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم . ومن الثاني أن هذا الرسول بعث { من أنفسهم } أي من جنسهم عربياً مثلهم ، أو من ولد إسماعيل كما أنهم من ولده .

فعلى هذا يكون المراد بالمؤمنين من آمن مع الرسول من قومه . وخص المؤمنين منهم لأنهم هم المنتفعون به ، ووجه المنة أنه إذا كان اللسان واحداً سهل عليهم أخذ ما يجب أخذه عنه ، وإذا كانوا واقفين على أحواله في الصدق والأمانة كان ذلك أقرب لهم إلى تصديقه والوثوق به . وفيه أيضاً شرف لهم وفخر كما قال :{ وإنه لذكر لك ولقومك }[ الزخرف :44 ] وذلك أن الافتخار بإبراهيم صلى الله عليه وسلم كان مشتركاً فيه بين اليهود والنصارى والعرب . ثم اليهود والنصارى كانوا يفتخرون بموسى وعيسى وبالتوراة والإنجيل ، وما كان للعرب ما يقابل ذلك . فلما بعث الله محمداً وأنزل القرآن صار شرف العرب بذلك زائداً على شرف جميع الأمم . وقيل : { من أنفسهم } أي من جنس الإنس لا من الملك لأن الجنس إلى الجنس أميل . ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن فاطمة أنهما قرآ { من أنفسهم } بفتح الفاء أي أشرفهم ، وعلى هذا يكون المؤمنون عاماً . ويحتمل أن يراد بهم العرب ويصح لأن عدنان ذروة ولد إسماعيل ، ومضر ذروة نزار بن معد بن عدنان ، وخندف ذروة مضر ، ومدركة ذروة خندف ، وقريش ذروة مدركة ، وذروة قريش محمد صلى الله عليه وسلم . وأما سائر أوصافه من قوله : { يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة } فقد مر تفسيرها في البقرة عند قوله :{ ربنا وابعث فيهم رسولاً }[ البقرة :129 ] وإعراب قوله : { وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } كما سلف في قوله :{ وإن كانت لكبيرة }

[ البقرة :143 ] ومعنى المنة فيه أن النعمة إذا وردت بعد المحنة كان موقعها أعظم . فبعثة هذا الرسول عقيب الجهل والذهاب عن الدين تكون أعم نفعاً وأتم وقعاً .

/خ175