النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{قَدۡ كَانَ لَكُمۡ ءَايَةٞ فِي فِئَتَيۡنِ ٱلۡتَقَتَاۖ فِئَةٞ تُقَٰتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخۡرَىٰ كَافِرَةٞ يَرَوۡنَهُم مِّثۡلَيۡهِمۡ رَأۡيَ ٱلۡعَيۡنِۚ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصۡرِهِۦ مَن يَشَآءُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ} (13)

قوله عز وجل : { قَدْ كَانَ لَكُمْ ءَايَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ } يعني المؤمنين من أهل بدر .

{ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ } يعني مشركي قريش .

{ يَرَونَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ } وفي مثليهم قولان :

أحدهما : أنهم مثلان زائدان على العدد المُتَحَقِّق ، فيصير العدد ثلاثة أمثال ، قاله الفراء{[500]} .

والثاني : هو المزيد في الرؤية ، قاله الزجاج .

اختلفوا في المخاطب{[501]} بهذه الرؤية على قولين :

أحدهما : أنها الفئة المؤمنة التي تقاتل في سبيل الله ، بأن أراهم الله مشركي قريش يوم بدر مثلي عدد أنفسهم ، لأن عدة المسلمين كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ، وعدة المشركين في رواية عليٍّ وابن مسعود ألف ، وفي رواية عروة ، وقتادة ، والربيع ما بين تسعمائة إلى ألف ، فقلَّلهم الله في أعينهم تقوية لنفوسهم ، قاله ابن مسعود ، والحسن .

والثاني : أن الفئة التي أراها الله ذلك هي الفئة الكافرة ، أراهم الله المسلمين مثلي عددهم مكثراً لهم ، لتضعف به قلوبهم . والآية في الفئتين هي تقليل الكثير في أعين المسلمين ، وتكثير القليل في أعين المشركين ، وما تقدم من الوعد بالغلبة ، فتحقق ، قتلاً ، وأسراً ، وسبياً .

{ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ } يعني من أهل طاعته . وفي التأييد وجهان :

أحدهما : أنه المعونة .

والثاني : القوة .

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأبْصَارِ } فيه وجهان :

أحدهما : أن في نصرة الله لرسوله يوم بدر مع قلة أصحابه عبرة لذوي البصائر والعقول .

والثاني : أن فيما أبصره المشركون من كثرة المسلمين مع قلتهم عبرة لذوي الأعين والبصائر{[502]} .


[500]:- قال القرطبي: وزعم الفراء أن المعنى ترونهم مثليهم ثلاثة أمثالهم، وهو بعيد غير معروف في اللغة. ثم قال: والذي أوقع الفراء في هذا أن المشركين كانوا ثلاثة أمثال المؤمنين في بدر انظر تفسير القرطبي جـ4 ص 27.
[501]:- المخاطب: في ق: المخاطبة.
[502]:- سقط من ق.