تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قَدۡ كَانَ لَكُمۡ ءَايَةٞ فِي فِئَتَيۡنِ ٱلۡتَقَتَاۖ فِئَةٞ تُقَٰتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخۡرَىٰ كَافِرَةٞ يَرَوۡنَهُم مِّثۡلَيۡهِمۡ رَأۡيَ ٱلۡعَيۡنِۚ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصۡرِهِۦ مَن يَشَآءُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ} (13)

الآية 13 وقوله تعالى : { قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة } فإن قال قائل ما : في فئة قليلة ، وهي فئة أهل الإسلام ، وفئة كثيرة ، وهي فئة المشركين ، حين غلبت فئة المسلمين ، وهم قليل ، فئة المشركين ، وهم كثير يوم بدر ، وقد يكون لأهل الكفر إذا كانوا كثيرا{[3624]} ، فغلبوا على أهل الإسلام ، آية . قيل : ليست الآية في الغلبة خاصة ، لكن الآية ، فيها ، والله أعلم ، وجوه [ أخرى ]{[3625]} :

أحدها : أن غلبة المسلمين مع ضعف أبدانهم وقلة عددهم وخروجهم لا على وجه الحرب [ وقتال المشركين ]{[3626]} مع قوة أبدانهم وكثرة عددهم{[3627]} ، فاستعدادهم للحرب وخروجهم على الحرب والقتال آية وعلم العدو أن ليس لهم فئة ، ولا لهم رجاء المدد ، وأن لا غياث لهم من البشر ، وذلك آية الجرأة وعلامة الشجاعة ، ومعه أمن ، والله أعلم .

والثاني : أن ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ كفا من تراب ، فرماه على وجوههم ، وقال : ( شاهدت الوجوه ) [ مسلم 1777 ] فامتلأت أعينهم من ذلك ، وعموا حتى انهزموا ، فصار آية .

والثالث : ما قيل : إن أبا جهل قام ، فدعا ، فقال : ( إينا أحق ووصل رحما فانصره ، واجعل الغلبة والهزيمة على الآخر ) ، فاستحب{[3628]} ، فكانت الغلبة والهزيمة عليهم ، فكان آية .

والرابع : ما أعان الملائكة المسلمين ، وبعثهم الله جل وعلا مدد النصرة للمؤمنين على الكافرين يوم بدر ، فذلك آية .

ووجه آخر ما ذكرنا ، وهو أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا خرجوا شبه الأغرة{[3629]} بغير سلاح غير مستعدين للقتال على علم منهم بذلك ، وأولئك خرجوا مستعدين لذلك ، وكان ما ذكر ، والله أعلم .

قال الشيخ [ رحمه الله ]{[3630]} : في ذكر القليل في الأعين من الجانبين آية عظيمة ؛ إذ هي حسية ، والحواس تؤدي عن المحسوسات حقائقها /55- أ/ فجعلها الله بحيث لا تؤدي لما قال : { ليقضي الله أمر كان معقولا } [ الأنفال : 42 و 44 ] ؛ فيحتمل أن يكون المراد مما ذكر من الآية في أمر الفئتين هذا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { يرونهم مثليهم رأى العين } وفي بعض القراءات بالتاء{[3631]} : ترونهم ؛ يرى المؤمنون أولئك مثلي أنفسهم لا أكثر ، هم كانوا ثلاثة أمثال على ما روي في القصة ، وهذا لما جعل الحق عليهم قيام الواحد من المسلمين بالاثنين منهم من ضعفهم ، لجهدهم في العبادات وبلوغهم الغاية في احتمال الشدائد والمشقات . أخبر جل وعلا بمعرفتهم أمر الحرب وشدة رغبتهم في تعلمهم ما يحتاجون في الحرب والقتال ، ولهذا قالوا : إن الله جل وعلا علم المؤمنين جميع ما يحتاجون في الحرب من الآداب وغيرها في الكتاب كقوله : { إذ لقيتم فئة فائتوا } [ الأنفال : 45 ] أمرهم بالتثبت ، ثم قال : { فلا تولوا الأدبار } [ الأنفال : 15 ] ، وقال : { ولا تنازعوا فتفشلوا } [ الأنفال : 46 ] ؛ فجعل التنازع الواقع بينهم على خلاف بعضهم بعضا سبب الهزيمة ، ففيه أمر بالاجتماع وجعل التدبير واحدا ؛ إذ الطاعة لأمامهم .

وقوله تعالى : { إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار } وإنما كان عبرة لما ذكرنا من خروج المؤمنين بقلة عددهم وضعف أبدانهم بلا استعداد للحرب والقتال ، إنما [ هو ]{[3632]} خروج شبه الأغرة{[3633]} ، وخروج أوليك بالعدة{[3634]} مع قوة أبدانهم وكثرة عددهم وطمع المدد له ، ولم يكن للمسلمين ذلك ، ففي مثل غلبة المؤمنين الكافرين والظفر بهم والنصر لهم عليهم على الوصف الذي وصفناهم عبرة ، وإنه لأولي الأبصار والعير .


[3624]:في الأصل وم: قليلا.
[3625]:أدرج قبلها في الأصل وم: في غيره من.
[3626]:في الأصل: والقتال والمشركين.
[3627]:أدرج بعدها في الأصل: وخروجهم.
[3628]:في م: فاستجيبت.
[3629]:في الأصل وم: الغير.
[3630]:من م، ساقطة من الأصل.
[3631]:انظر معجم القراءات القرآنية 2/10.
[3632]:من م، ساقطة من الأصل.
[3633]:في الأصل وم: الغير.
[3634]:ساقطة من م.