مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{قَدۡ كَانَ لَكُمۡ ءَايَةٞ فِي فِئَتَيۡنِ ٱلۡتَقَتَاۖ فِئَةٞ تُقَٰتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخۡرَىٰ كَافِرَةٞ يَرَوۡنَهُم مِّثۡلَيۡهِمۡ رَأۡيَ ٱلۡعَيۡنِۚ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصۡرِهِۦ مَن يَشَآءُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ} (13)

{ قَدْ كَانَ لَكُمْ ءَايَةٌ } الخطاب لمشركي قريش { فِي فِئَتَيْنِ التقتا } يوم بدر { فِئَةٌ تقاتل فِي سَبِيلِ الله } وهم المؤمنون { وأخرى } وفئة أخرى { كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مّثْلَيْهِمْ } يرى المشركون المسلمين مثلي عدد المشركين ألفين ، أو مثلي عدد المسلمين ستمائة ونيفاً وعشرين ، أراهم الله إياهم مع قلتهم أضعافهم ليهابوهم ويجبنوا عن قتالهم . «ترونهم » نافع أي ترون يا مشركي قريش المسلمين مثلي فئتكم الكافرة ، أو مثلي أنفسهم . ولا يناقض هذا ما قال في سورة الأنفال { وَيُقَلّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ } [ الأنفال : 44 ] لأنهم قللوا أولاً في أعينهم حتى اجترؤا عليهم ، فلما اجتمعوا كثروا في أعينهم حتى غلبوا فكان التقليل والتكثير في حالتين مختلفتين ونظيره من المحمول على اختلاف الأحوال { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْئَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ }

[ الرحمن : 39 ] . { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْؤولُونَ } [ الصافات : 24 ] . وتقليلهم تارة وتكثيرهم أخرى في أعينهم أبلغ في القدرة وإظهار الآية . و«مثليهم » نصب على الحال لأنه من رؤية العين بدليل قوله { رَأْيَ العين } يعني رؤية ظاهرة مكشوفة لا لبس فيها { والله يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ } كما أيد أهل بدر بتكثيرهم في أعين العدو { إِنَّ فِي ذَلِكَ } في تكثير القليل { لَعِبْرَةً } لعظة { لأُوْلِي الأبصار } لذوي البصائر .