ثم قال : { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ } يعني عبرة { فِي فِئَتَيْنِ } أي جَمْعَيْن ، يعني جَمْع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وجمع كفار أهل مكة { التقتا فِئَةٌ تقاتل في سَبِيلِ الله وأخرى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مّثْلَيْهِمْ } قرأ نافع { ترونهم } على معنى المخاطبة ، والباقون بالياء على معنى الخبر ، وذكر عن الفراء أنه قال كان الكفار ثلاثة أمثال المسلمين ، لأن المسلمين كانوا ثلاثمائة ونيفاً ، وكان الكفار تسعمائة ونيّفاً . وقوله : { مثليهم } أي ثلاثة أمثالهم ، والمعنى في ذلك عن طريق اللغة أن الإنسان إذا كان عنده ألف درهم يقول احتاج إلى مثليها ، فإنه يحتاج إلى ثلاثة آلاف . وقال الزجاج : هذا القول لا يصح في اللغة ، ولا في المعنى ، ولكن المسلمين يرونهم مثليهم في العدد ، لكي لا يجبنوا ، لأنه أعلمهم أن المائة تغلب المائتين ، فأراهم في { رَأْىَ العين } أن المشركين مثليهم في العدد ، لكي لا يجبنوا ، وهذا كما قال في آية أخرى ، { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ التقيتم في أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ في أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ الله أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور } [ الأنفال : 44 ] ، وذلك أن المشركين كانوا تسع مائة ، فأرى الله المسلمين أنهم ستمائة ، لكي لا يجبنوا ، وأرى الكفار أن المسلمين أقل من ثلاثمائة ، ثم ألقى مع ذلك في قلوبهم الرعب حتى انهزموا ، فكان في ذلك دلالة من الدلالات ، فمن قرأ بالتاء على معنى المخاطبة لليهود إن لكم آية وعلامة حيث رأيتم غلبة المسلمين على الكفار مع قلة المسلمين ، وكثرة الكفار ، فإن قيل : إن اليهود لم يكونوا حضوراً في ذلك الوقت ، فكيف يرون ذلك ؟ قيل له : إذا انتشر الخبر فهموا ، وعلموا ذلك صار كالمعاينة ، ولأن لهم جواسيس عند المسلمين يخبرون اليهود بذلك ، فصار كأن كلهم رأى ذلك ، ومن قرأ بالياء معناه أن المسلمين يرون الكفار مثليهم .
ويقال إن المشركين حين خرجوا من مكة ، كانوا ألفاً وثلاثمائة رجل ، فلما وجدوا العير سالمة رجع مع العير ثلاثمائة وخمسون ، وتخلف تسعمائة وخمسون للحرب ، وكان أبو سفيان بن حرب في تلك العير ، فرجع إلى مكة ، وحثّهم على المسير ، ولم يكن حاضراً وقت الحرب ، وإنما قال الكلبي في كتابه : نزلت في جمع أبي سفيان وأصحابه ، لأن أبا سفيان هو الذي حثهم على الخروج ، ولم يخرج معهم ثم قال تعالى : { والله يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء } أي يقوي بنصرته ، وهم أهل بدر ، فأرسل إليهم الملائكة ، وهزم المشركين { إِنَّ في ذلك لَعِبْرَةً لأولي الأبصار } يعني من ينصر الحق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.