الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{قَدۡ كَانَ لَكُمۡ ءَايَةٞ فِي فِئَتَيۡنِ ٱلۡتَقَتَاۖ فِئَةٞ تُقَٰتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخۡرَىٰ كَافِرَةٞ يَرَوۡنَهُم مِّثۡلَيۡهِمۡ رَأۡيَ ٱلۡعَيۡنِۚ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصۡرِهِۦ مَن يَشَآءُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ} (13)

قوله : ( قَدْ كَانَ لَكُمُ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا . . . . ) الآية [ 13 ] .

قرأ الحسن( {[9492]} ) ( فِئَةٌ ) ، ( كَافِرةٌ ) بالخفض فيهما على البدل ، من ( فِئَتَيْنِ )( {[9493]} ) .

ومن رفع فعلى إضمار مبتدأ( {[9494]} ) .

وقال أحمد بن يحيى( {[9495]} ) : يجوز النصب على الحال( {[9496]} ) .

وقال الزجاج( {[9497]} ) : النصب بمعنى أعني( {[9498]} ) .

ومن قرأ ( تَرَوْنَهُم )( {[9499]} ) بالتاء فعلى المخاطبة لليهود ، أي ترون أيها اليهود المشركين( {[9500]} ) مثلي المؤمنين .

ومن قرأ بالياء( {[9501]} ) جعل الرؤية للمسلمين ، أي : يرى المؤمنون المشركين مثلي( {[9502]} ) أنفسهم .

وكان المسلمون يوم بدر ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً . وقيل ثلاثة عشر ، والمشركون تسعمائة وخمسون( {[9503]} ) .

وقيل : كانوا ألفاً .

وقيل : كانوا ما بين ألف إلى تسعمائة( {[9504]} ) .

وقد وعد الله المؤمنين بأن الرجل منهم يغلب الرجلين فأراهم الله المشركين مثليهم لتقوى( {[9505]} ) نفوسهم ، وكانت تلك آية أن رأوا( {[9506]} ) الكثير قليلاً كما قال : ( وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمُ إِذْ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ )( {[9507]} ) .

وأنكر أبو عمرو( {[9508]} ) قراءة من قرأ بالتاء وقال لا يلزم أن يقرأ مثليكم ، هذا الرد إنما يلزم لو كانت الرؤية تنصرف على( {[9509]} ) المسلمين ، ولا يمكن إلا ذلك .

وقراءة التاء( {[9510]} ) تنصرف على اليهود الذين تقدم ذكرهم .

والمعنى : قد كانت لكم أيها اليهود علامة في صدق محمد صلى الله عليه وسلم وصحة ما دعاكم إليه( {[9511]} ) بنصر ( الله )( {[9512]} ) تعالى إياه يوم بدر وأعداؤه مثلا من معه .

وقيل : [ المعنى ]( {[9513]} ) على قراءة التاء في( {[9514]} ) ترونهم أيها المؤمنون مثلي( {[9515]} ) أصحابكم .

وقال ابن كيسان : الضمير في ( تَرَوْنَهُمْ ) يعود على ( أُخْرَى كَافِرَةٌ ) . والهاء والميم في ( مِّثْلَيْهِمْ ) يعودان على فئة( {[9516]} ) .

وقال الفراء : معنى " مثليهم " ثلاثة أمثالهم( {[9517]} ) .

قال ابن كيسان : كأنه جعل ترونهم يرجع إلى الكل أي : ترون الكل ثلاثة أمثال أصحابكم : هذا على [ معنى ]( {[9518]} ) من قرأ بالتاء " ( {[9519]} ) .

[ ومن قرأ بالياء فعلى معنى يرى( {[9520]} ) المؤمنون الكل ثلاثة أمثالهم ،

وتكون التاء مخاطبة لليهود فيكون المعنى ترون أيها اليهود الكل ثلاثة أمثال المؤمنين ]( {[9521]} ) وهذا كله يوم بدر( {[9522]} ) .

( وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ ) أي : يقوي ( بِنَصْرِهِ مَنْ يَّشَاءُ ) .


[9492]:- هو أبو سعيد الحسن البصري توفي 110 هـ إمام زمانه فقهاً وعملاً، أخذ عن أبي العالية، وعنه أبو عمرو وابن عاصم، انظر: المعارف 194، وغاية النهاية 1/235.
[9493]:- هي قراءة تنسب إلى الحسن ومجاهد، انظر: إعراب النحاس 1/314. أو إلى الزهري ومجاهد في مختصر الشواذ. ولم يجز الطبري القراءة بالخفض لإجماع الحجة من القراء على خلافه، انظر: جامع البيان 3/194. وأجاز الزجاج ومكي هذه القراءة واحتجا لها، انظر: معاني الزجاج 1/381 ومشكل الإعراب 1/150.
[9494]:- قراءة الجمهور: الرفع على الابتداء، أو إضمار مبتدأ تقديره. إحداهما فئة، انظر: معاني الفراء 1/192 ومعاني الأخفش 1/397، وانظر: معاني الزجاج 1/381.
[9495]:- هو أبو العباس أحمد بن يحيى المشهور بثعلب توفي 291 هـ. إمام في اللغة والنحو والأدب والقراءة، انظر: إنباه الرواة 1/138 وبغية الوعاة 1/292.
[9496]:- انظر: معاني الفراء 1/193 وإعراب النحاس 1/314.
[9497]:- هو أبو إسحاق الزجاج وقد تقدمت ترجمته.
[9498]:- انظر: معاني الزجاج 12/382 على أن النصب قراءة شاذة تنسب إلى أبي عبلة في مختصر الشواذ 19، وفي الإملاء 1/74 الجر والنصب قراءة شاذة.
[9499]:- هي قراءة أهل المدينة والكوفة والبصرة، انظر: السبعة: 201 وحجة القراءات: 154.
[9500]:- (أ): المشركون وهو خطأ.
[9501]:- هي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وحمزة والكسائي، انظر: السبعة 201، والكشف 1/336.
[9502]:- (أ): مثل.
[9503]:- (أ): تسعما.
[9504]:- انظر: سيرة ابن هشام 1/622 وتاريخ الطبري 2/432.
[9505]:- (د) متقوي.
[9506]:- (د): أروا.
[9507]:- الأنفال آية 44.
[9508]:- هو أبو عمرو بن العلاء زيان التميمي المازني البصري ت 154 هـ أحد القراء السبعة، وعالم بالنحو واللغة والأدب سمع من أنس ومجاهد والحسن، انظر: المعارف 235، وطبقات الزبيدي 35 ومعرفة القراءة 1/83.
[9509]:- (أ): تنصرف عن.
[9510]:- (د): وهي قراءة تنصرف، ولعله تصرف من الناسخ.
[9511]:- (أ): إليكم وهو خطأ.
[9512]:- ساقط من (د).
[9513]:- ساقط من (د).
[9514]:- كذا في جميع النسخ والصواب حذف كلمة "في" ليستقيم معنى الخطاب بالتاء: (المعنى على قراءة التاء: ترونهم أيها المؤمنون مثلي أصحابكم).
[9515]:- (أ): مثل.
[9516]:- انظر: حجة القراءات 154، والكشف 1/150، وقد أحال فيه على كتابه: "شرح قوله تعالى: (تَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ).
[9517]:- انظر: معاني الفراء 1/194.
[9518]:- ساقط من (ج).
[9519]:- انظر: معاني الزجاج 1/381-382.
[9520]:- (د): ترا وهو تحريف.
[9521]:- ساقط من (ج).
[9522]:- انظر: جامع البيان 3/193 وحجة القراءات 164 والكشف 1/336 والنشر 2/238.