تحمل هذه السورة المكية اسم إبراهيم نبي الله وخليله الذي أقام الكعبة في مكة المكرمة بيتا لعبادة الله ، ودعا الناس إلى الإيمان بالله ، إلها واحدا ، بيده وحده الخلق والأمر . وفي السورة الكريمة يشكر إبراهيم ربه على نعمه التي لا تحصى ، فهو سبحانه الذي وهبه على الكبر إسماعيل وإسحاق ، ويدعو إبراهيم ربه أن يبارك هذا الوادي الذي أسكن فيه بعض ذريته عند البيت المحرم ، فيجعل القلوب تميل إليه ، ويرزق أهله من الثمرات ليشكروه على نعمه آمنين سالمين ، والدعوة التي دعا إبراهيم الناس إليها هي : دين الله الواحد ، وهي التي دعا إليها الأنبياء والرسل مثل موسى عليه السلام ولقد تعرض الرسل لإعراض الكفار ولألوان من المكر والعذاب ، فصبروا مؤمنين بأن نصر الله قريب ، فالله سبحانه وتعالى يهدي المؤمنين الذين عرفوا الله بعقولهم وقلوبهم ، وتمسكوا بما عرفوا من حق ، وهو يدخل المؤمنين جناته ، ويعاقب الكافرين الذين أصروا على الضلال بنار جهنم . وضرب الله المثل لذلك بالكلمة الطيبة ، فهي كالشجرة الطيبة النافعة التي تضرب بجذورها في أعماق الأرض ، وترفع هامتها إلى السماء ، وتثمر في حينها بإذن الله ثمرة مباركة ، أما الكلمة الخبيثة فهي كالشجرة الخبيثة التي لا تنفع الناس ، فلا جذور ثابتة لها ، ولا ثمرة لها يستفيد منها الناس ، فهي كالشجرة المقتلعة التي لا خير فيها .
1- ألف . لام . راء : في الابتداء بهذه الحروف تنبيه إلى إعجاز القرآن ، مع أنه مكون من حروف يتكلمون بها ، وتنبيه للاستماع . هذا المذكور في السورة كتاب منزل إليك يا محمد من عندنا ، لتخرج الناس كافة من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم بتيسير ربهم .
مكية إلا آيتين من قوله تعالى : { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً } إلى قوله : { فإن مصيركم إلى النار } . وهي اثنتان وخمسون آية
{ الر } أي : هذا كتاب { أنزلناه إليك } ، يا محمد يعني : القرآن ، { لتخرج الناس من الظلمات إلى النور } أي : لتدعوهم من ظلمات الضلالة إلى نور الإيمان ، { بإذن ربهم } ، بأمر ربهم . وقيل : بعلم ربهم . { إلى صراط العزيز الحميد } أي : إلى دينه ، و{ العزيز } ، هو الغالب ، و{ الحميد } : هو المستحق للحمد .
قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة في أوائل السور .
{ كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ } أي : هذا كتاب أنزلناه إليك يا محمد ، وهو القرآن العظيم ، الذي هو أشرف كتاب أنزله الله من السماء ، على أشرف رسول بعثه الله في الأرض ، إلى جميع أهلها عربهم وعجمهم{[15736]} .
{ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } أي : إنما بعثناك يا محمد بهذا الكتاب ؛ لتخرج الناس مما هم فيه من الضلال والغي إلى الهدى والرشد ، كما قال : { اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ } الآية[ البقرة : 257 ] ، وقال تعالى : { هُوَ الَّذِي يُنزلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ }
وقوله : { بِإِذْنِ رَبِّهِمْ } أي : هو الهادي لمن قَدر له الهداية على يدي رسوله المبعوث عن أمره يهديهم { إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ } أي : العزيز الذي لا يمانع ولا يغالب ، بل هو القاهر لكل ما سواه ، " الحميد " أي : المحمود في جميع أفعاله وأقواله ، وشرعه وأمره ونهيه ، الصادق في خبره .
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ
القول في تأويل قوله تعالى : { الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْنِ رَبّهِمْ إِلَىَ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } .
قال أبو جعفر الطبري : قد تقدم منا البيان عن معنى قوله : الر فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وأما قوله : كِتابٌ أنْزَلْناهُ إلَيْكَ فإن معناه : هذا كتاب أنزلناه إليك يا محمد يعني القرآن ، لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظّلُماتِ إلى النّورِ يقول : لتهديهم به من ظلمات الضلالة والكفر إلى نور الإيمان وضيائه ، وتبصّر به أهل الجهل والعمّى سبل الرشاد والهُدى .
وقوله : بإذْنِ رَبّهِمْ يعني : بتوفيق ربهم لهم بذلك ولطفه بهم . إلى صراطِ العَزِيزِ الحَمِيدِ يعني : إلى طريق الله المستقيم ، وهو دينه الذي ارتضاه وشرعه لخلقه . والحميد : فعيل ، صُرف من مفعول إلى فعيل ، ومعناه : المحمود بآلائه ، وأضاف تعالى ذكره إخراج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم لهم بذلك إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهو الهادي خلقه والموفّق من أحبّ منهم للإيمان ، إذ كان منه دعاؤهم إليه ، وتعريفهم ما لهم فيه وعليهم ، فبين بذلك صحة قول أهل الإثبات الذين أضافوا أفعال العباد إليهم كسبا ، وإلى الله جلّ ثناؤه إنشاءً وتدبيرا ، وفساد قول أهل القدر الذين أنكروا أن يكون لله في ذلك صنع .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظّلُماتِ إلى النّورِ : أي من الضلالة إلى الهُدى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.