المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ فَٱسۡلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلٗاۚ يَخۡرُجُ مِنۢ بُطُونِهَا شَرَابٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ فِيهِ شِفَآءٞ لِّلنَّاسِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (69)

69- ثم هداها - سبحانه - للأكل من كل ثمرات الشجر والنبات ، وسهَّل لها أن تسلك لذلك طرقاً هيأها لها ربها مذللة سهلة ، فيخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس ، إن في ذلك الصنع العجيب لأدلة قوية على وجود صانع قادر حكيم ، ينتفع بها قوم يستعملون عقولهم بالتأمل فيفوزون بالسعادة الدائمة{[114]} .


[114]:يتركب عسل النحل من كمية كبيرة من الجلوكوز والفرفتوز وهو أسهل أنواع السكريات في الهضم، وثبت في آخر الأبحاث الطبية أن الجلوكوز مفيد في كثير من الأمراض ويعطي بطريق الحقن والفم والشرج، بصفته مقويا، ويعطى ضد التسمم في مختلف المعادن وضد التسمم الناشئ من أمراض الأعضاء، مثل التسمم البولي والصفراء، وغيرهما، كما ثبت أنه يحتوي على نسبة عالية من الفيتامينات خصوصا فيتامين ب المركب.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ فَٱسۡلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلٗاۚ يَخۡرُجُ مِنۢ بُطُونِهَا شَرَابٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ فِيهِ شِفَآءٞ لِّلنَّاسِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (69)

قوله تعالى : { ثم كلي من كل الثمرات } ، ليس معنى الكل العموم ، وهو كقوله تعالى : { وأوتيت من كل شيء } [ النمل – 23 ] . { فاسلكي سبل ربك ذللاً } . قيل : هي نعت الطرق ، يقول : هي مذللة للنحل سهلة المسالك . قال مجاهد : لا يتوعر عليها مكان سلكته . وقال آخرون : الذلل نعت النحل ، أي : مطيعة منقادة بالتسخير . يقال : إن أربابها ينقلونها من مكان إلى مكان ، ولها يعسوب إذا وقف وقفت ، وإذا سار سارت . { يخرج من بطونها شراب } ، يعني : العسل { مختلف ألوانه } ، أبيض وأحمر وأصفر . { فيه شفاء للناس } ، أي : في العسل . وقال مجاهد : أي في القرآن ، والأول أولى .

أنبأنا إسماعيل بن عبد القاهر ، حدثنا عبد الغافر بن محمد ، حدثنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا محمد بن مثنى ، أنبأنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن أبي المتوكل ، عن أبي سعيد الخدري قال : " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أخي استطلق بطنه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اسقه عسلاً ، فسقاه ثم جاء فقال : إني سقيته فلم يزده إلا استطلاقا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له ثلاث مرات ، ثم جاء الرابعة فقال : اسقه عسلاً ، قال : قد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صدق الله وكذب بطن أخيك ، فسقاه فبرأ " . قال ابن مسعود : العسل شفاء من كل داء ، والقرآن شفاء لما في الصدور . وروي عنه أنه قال : عليكم بالشفاءين : القرآن والعسل . { إن في ذلك لآيةً لقوم يتفكرون } ، فيعتبرون .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ فَٱسۡلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلٗاۚ يَخۡرُجُ مِنۢ بُطُونِهَا شَرَابٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ فِيهِ شِفَآءٞ لِّلنَّاسِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (69)

51

والنص على أن العسل فيه شفاء للناس قد شرحه بعض المختصين في الطب . شرحا فنيا . وهو ثابت بمجرد نص القرآن عليه . وهكذا يجب أن يعتقد المسلم استنادا إلى الحق الكلي الثابت في كتاب الله ؛ كما أثر عن رسول الله .

روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري أن رجلا جاء إلى رسول الله [ ص ] فقال : إن أخي استطلق بطنه ، فقال له رسول الله [ ص ] : " اسقه عسلا " فسقاه عسلا . ثم جاء فقال : يا رسول الله سقيته عسلا فما زاده إلا استطلاقا . قال : " اذهب فاسقه عسلا " فذهب فسقاه عسلا ثم جاء فقال : يا رسول الله ما زاده ذلك إلا استطلاقا . فقال رسول الله [ ص ] " صدق الله وكذب بطن أخيك اذهب فاسقه عسلا " فذهب فسقاه عسلا فبرى ء .

ويروعنا في هذا الأثر يقين الرسول [ ص ] أمام ما بدا واقعا عمليا من استطلاق بطن الرجل كلما سقاه أخوه . وقد انتهى هذا اليقين بتصديق الواقع له في النهاية . وهكذا يجب أن يكون يقين المسلم بكل قضية وبكل حقيقة وردت في كتاب الله . مهما بدا في ظاهر الأمر أن ما يسمى الواقع يخالفها . فهي أصدق من ذلك الواقع الظاهري ، الذي ينثني في النهاية ليصدقها . .

ونقف هنا أمام ظاهرة التناسق في عرض هذه النعم : إنزال الماء من السماء . وإخراج اللبن من بين فرث ودم . واستخراج السكر والرزق الحسن من ثمرات النخيل والأعناب . والعسل من بطون النحل . . إنها كلها أشربة تخرج من أجسام مخالفة لها في شكلها . ولما كان الجو جو أشربة فقد عرض من الأنعام لبنها وحده في هذا المجال تنسيقا لمفردات المشهد كله . وسنرى في الدرس التالي أنه عرض من الأنعام جلودها وأصوافها وأوبارها لأن الجو هناك جو أكنان وبيوت وسرابيل فناسب أن يعرض من الأنعام جانبها الذي يتناسق مع مفردات المشهد . . وذلك أفق من آفاق التناسق الفني في القرآن .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ فَٱسۡلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلٗاۚ يَخۡرُجُ مِنۢ بُطُونِهَا شَرَابٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ فِيهِ شِفَآءٞ لِّلنَّاسِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (69)

{ ثم كُلي من كل الثمرات } ، من كل ثمرة تشتهينها مرها وحلوها . { فاسلُكي } ، ما أكلت . { سُبل ربك } ، في مسالكه التي يحيل فيها بقدرته النور المر عسلا من أجوافك ، أو { فاسلكي } الطرق التي ألهمك في عمل العسل ، أو فاسلكي راجعة إلى بيوتك { سبل ربك } ، لا تتوعر عليك ولا تلتبس . { ذُللاً } ، جمع ذلول ، وهي حال من السبل ، أي : مذللة ، ذللها الله تعالى وسهلها لك ، أو من الضمير في اسلكي ، أي : وأنت ذلل منقادة لما أمرت به . { يخرج من بطونها } ، كأنه عدل به عن خطاب النحل إلى خطاب الناس ؛ لأنه محل الإنعام عليهم ، والمقصود من خلق النحل وإلهامه لأجلهم . { شراب } ، يعني : العسل ؛ لأنه مما يشرب ، واحتج به من زعم أن النحل تأكل الأزهار والأوراق العطرة فتستحيل في بطنها عسلا ، ثم تقيء ادخارا للشتاء ، ومن زعم أنها تلتقط بأفواهها أجزاء طلية حلوة صغيرة متفرقة على الأوراق والأزهار ، وتضعها في بيوتها ادخارا ، فإذا اجتمع في بيوتها شيء كثير منها كان العسل ، فسر البطون بالأفواه . { مختلف ألوانه } ، أبيض وأصفر وأحمر وأسود ، بحسب اختلاف سن النحل والفصل . { فيه شفاء للناس } ، إما بنفسه كما في الأمراض البلغمية ، أو مع غيره كما في سائر الأمراض ؛ إذ قلما يكون معجون إلا والعسل جزء منه ، مع أن التنكير فيه مشعر بالتبعيض ، ويجوز أن يكون للتعظيم . وعن قتادة أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن أخي يشتكي بطنه فقال : " اسقه العسل " ، فذهب ثم رجع فقال : قد سقيته فما نفع فقال : " اذهب واسقه عسلا ، فقد صدق الله وكذب بطن أخيك " . فسقاه فشفاه الله تعالى فبرأ فكأنما أنشط من عقال . وقيل : الضمير للقرآن ، أو لما بين الله من أحوال النحل . { إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون } ، فإن من تدبر اختصاص النحل بتلك العلوم الدقيقة والأفعال العجيبة حق التدبر ، علم قطعا أنه لا بد له من خالق قادر حكيم يلهمها ذلك ويحملها عليه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ فَٱسۡلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلٗاۚ يَخۡرُجُ مِنۢ بُطُونِهَا شَرَابٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ فِيهِ شِفَآءٞ لِّلنَّاسِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (69)

وقوله تعالى : { ثم كلي من كل الثمرات } الآية ، المعنى : ثم ألهمها أن كلي ، فعطف { كلي } على { اتخذي } ، و { من } ، للتبعيض ، أي : كلي جزءاً ، أو شيئاً من كل الثمرات ، وذلك أنها إنما تأكل النوار من أشجار ، و «السبل » ، الطرق : وهي مسالكها في الطيران وغيرها ، وأضافها إلى : «الرب » من حيث هي ملكه وخلقه التي يسر لك ربك ، وقوله : { ذللاً } ، يحتمل أن يكون حالاً من { النخل } ، أي : مطيعة منقادة لما يسرت له ، قاله قتادة ، وقال ابن زيد : فهم يخرجون بالنحل ينتجعون ، وهي تتبعهم ، وقرأ { أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون }{[7363]} [ يس : 71-72 ] ، ويحتمل أن يكون حالاً من «السبل » ، أي : مسهلة مستقيمة ، قال مجاهد : لا يتوعر عليها سبيل تسلكه ، ثم ذكر تعالى على جهة تعديد النعمة والتنبيه على العبرة ، أمر العسل في قوله : { يخرج من بطونها } ، وجمهور الناس على أن العسل يخرج من أفواه النحل ، وورد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، أنه قال في تحقير الدنيا : أشرف لباس ابن آدم فيها لعاب دودة ، وأشرف شرابه رجيع نحلة ، فظاهر هذا أنه من غير الفم ، و «اختلاف الألوان » في العسل ، بحسب اختلاف النحل والمراعي ، وقد يختلف طعمه بحسب اختلاف المراعي ، ومن هذا المعنى : قول زينب للنبي صلى الله عليه وسلم : جرست نحْلُهُ العرفطَ حين شبهت رائحته برائحة المغافير{[7364]} ، وقوله : { فيه شفاء للناس } ، الضمير للعسل ، قاله الجمهور : ولا يقتضي العموم في كل علة ، وفي كل إنسان ، بل هو خبر عن أنه يشفي ، كما يشفي غيره من الأدوية في بعض دون بعض ، وعلى حال دون حال ، ففائدة الآية : إخبار منبه منه في أنه دواء ، كما كثر الشفاء به ، وصار خليطاً ومعيناً للأدوية في الأشربة والمعاجين ، وقد روي عن ابن عمر ، أنه كان لا يشكو شيئاً إلا تداوى بالعسل ، حتى إنه يدهن به الدمل والضرحة ، ويقرأ : { فيه شفاء للناس } .

قال القاضي أبو محمد : وهذا يقتضي أنه يرى الشفاء به على العموم ، وقال مجاهد : الضمير للقرآن ، أي : فيه شفاء ، وذهب قوم من أهل الجهالة إلى أن هذه الآية إنما يراد بها : أهل البيت ورجال بني هاشم ، وأنهم النحل ، وأن الشراب القرآن والحكمة ، وقد ذكر بعضهم هذا في مجلس المنصور أبي جعفر العباسي : فقال له رَجل ممن حضر : جعل الله طعامك وشرابك مما يخرج من بطون بني هاشم ، فأضحك الحاضرين ، وبُهت الآخر ، وظهرت سخافة قوله ، وباقي الآية بين .


[7363]:الآية (71) من سورة (يس).
[7364]:قال ابن الأثير في النهاية: المعنى: أكلت النحل، والعرفط: شجر، وفي المعجم الوسيط: جرس النحل نور الشجرة: لحسه للتعسيل، والعرفط: نبات من العضاه من الفصيلة القرينة، والمغافير: جمع مغفارن وهو صمغ حلو يسيل من شجر العرفط يؤكل، أو يوضع في ثوب ثم ينضح بالماء فيشرب، وحديث المغافير أو العسل رواه البخاري، ولفظه: (عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عسلا عند زينب ابنة جحش ويمكث عندها، فواطأت أنا وحفصة عن أيتنا دخل عليها فلتقل له: أكلت مغافير، إني أجد منك ريح مغافير، قال: لا، ولكني كنت أشرب عسلا عند زينب ابنة جحش، فلن أعود، وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدا).