التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ فَٱسۡلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلٗاۚ يَخۡرُجُ مِنۢ بُطُونِهَا شَرَابٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ فِيهِ شِفَآءٞ لِّلنَّاسِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (69)

قوله : ( ثم كلي من كل الثمرات ) ( ثم ) ، تفيد التراخي بين اتخاذ البيوت ، والأكل الذي تدخر منه العسل . والثمرات جمع الثمرة ، وهي الشجرة{[2564]} ؛ أي : كلي مما في الأشجار من أوراق وأزهار وثمار .

قوله : ( فاسلكي سبل ربك ذللا ) ، الفاء للعطف ؛ أي : إذا أكلت فاسلكي سبل ربك ، وهي : الطرق أو المسالك في العود إلى بيوتها ، ( ذللا ) ، جمع ذلول . منصوب على الحال من السبل ؛ أي : ذللها الله وسهلها لها .

قوله : ( يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه ) ، ذلك من عجيب صنع الله ، أن صنع من الشجر والزهور والثمر في أحشاء النحل عسلا ، يخرج من ( بطونها ) ، يعني : أفواهها ، وهو قول أكثر المفسرين . وقيل : يخرج العسل من أدبارها .

وكيفما يكون الإخراج ، أو من حيثما كان ؛ فإن غاية العجب تكمن في ماهية صنع ذلك في جوف النحل ليصير عسلا ، وهو الشراب الشهي المستطاب ، وهذه الظاهرة العجيبة لا تحصل في غير النحل من الأحياء . لاجرم أن ذلك ، هو : دليل ظاهر بالغ على عظيم قدرة الله .

على أن العسل مختلف الألوان بالبياض والصفرة والحمرة والسواد ، وسبب ذلك : اختلاف طباع النحل ، واختلاف المراعي . وقيل : الأبيض تلقيه شباب النحل ، والأصفر تلقيه كهولها ، والأحمر تلقيه مسنها ، وذلك بحسب أسنان النحل .

وقيل : إن ذلك لمحض إرادة الصانع الحكيم جل جلاله .

قوله : ( فيه شفاء للناس ) ، الضمير في قوله : ( فيه ) ، يعود إلى العسل ، وهو شفاء من جملة الأشفية والأدوية النافعة ، و ( شفاء ) نكرة ، للتعظيم ؛ أي : فيه شفاء ، أي : شفاء ، أو لدلالته على مطلق الشفاء ؛ أي : فيه بعض الشفاء ، وليس كله . وليس المراد بالناس هنا العموم ؛ فإن كثيرا من الأمراض لا يدخل في دوائها العسل ، وإنما المراد بالناس الذين ينجع العسل في أمراضهم .

قوله : ( إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ) ، فيما تبين من ذكر النحل : من حيث ثواؤه في بيوت يصنعها على أشكال مختلفة عجيبة ، ومن حيث غذاؤه من أوراق الشجر وأزهاره ، وما يعقب ذلك من صنع العسل ، هذا الشراب الذي يستشفي به كثير من الناس ، وذلك بطريقة يعلم ماهيتها الله ، والراسخون في العلم- إن ذلك كله ( لآية لقوم يتفكرون ) ، أي : دليل ظاهر وبرهان ساطع يتدبره أولوا الأبصار والنهى ، فيستيقنون أن الله حق ، وأنه على مل شيء قدير{[2565]} .


[2564]:- القاموس المحيط ص 458.
[2565]:- البحر المحيط جـ5 ص 497 وروح المعاني جـ7 ص 186، 187.