مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ فَٱسۡلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلٗاۚ يَخۡرُجُ مِنۢ بُطُونِهَا شَرَابٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ فِيهِ شِفَآءٞ لِّلنَّاسِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (69)

{ ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثمرات } ، أي : ابني البيوت ثم كلي كل ثمرة تشتهينها ، فإذا أكلتها { فاسلكي سُبُلَ رَبِّكِ } ، فادخلي الطرق التي ألهمك وأفهمك في عمل العسل ، أو إذا أكلت الثمار في المواضع البعيدة من بيوتك فاسلكي إلى بيوتك راجعة سبل ربك لا تضلين فيها . { ذُلُلاً } ، جمع ذلول ، وهي حال من السبل ؛ لأن الله تعالى ذللها وسهلها ، أو من الضمير في { فاسلكي } ، أي : وأنت ذلل منقادة لما أمرت به غير ممتنعة . { يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ } ، يريد العسل ؛ لأنه مما يشرب ، تلقيه من فيها . { مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ } ، منه أبيض وأصفر وأحمر ، من الشباب والكهول والشيب ، أو على ألوان أغذيتها . { فِيهِ شِفَآء لِلنَّاسِ } ؛ لأنه من جملة الأدوية النافعة ، وقل معجون من المعاجين لم يذكر الأطباء فيه العسل . وليس الغرض أنه شفاء لكل مريض كما أن كل دواء كذلك ، وتنكيره لتعظيم الشفاء الذي فيه ؛ أو لأن فيه بعض الشفاء ؛ لأن النكرة في الإثبات تخص ، وشكا رجل استطلاق بطن أخيه فقال عليه السلام : « اسقه عسلاً » فجاءه وقال : زاده شراً ، فقال عليه السلام : « صدق الله وكذب بطن أخيك ، اسقه عسلاً » . فسقاه فصح . وعن ابن مسعود رضي الله عنه : « العسل شفاء من كل داء ، والقرآن شفاء لما في الصدور ، فعليكم بالشفاءين : القرآن والعسل » . ومن بدع الروافض أن المراد بالنحل : عليّ وقومه . وعن بعضهم أن رجلاً قال عند المهدي : إنما النحل بنو هاشم يخرج من بطونهم العلم . فقال له رجل : جعل الله طعامك وشرابك مما يخرج من بطونهم ، فضحك المهدي ، وحدث به المنصور ، فاتخذوه أضحوكة من أضاحيكهم . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } في عجيب أمرها ، فيعلمون أن الله أودعها علماً بذلك وفطنها ، كما أعطى أولي العقول عقولهم .