{ ثُمَّ كُلِي مِن كُلّ الثمرات } ، من كل ثمرة تشتهينها ، حُلوِها ومُرِّها ، { فاسلكي } ، ما أكلتِ منها ، { سُبُلَ رَبّكِ } ، أي : مسالكَه التي برَأها ، بحيث يُحيل فيها بقدرته القاهرة ، النَّوَر{[486]} المرَّ عسلاً من أجوافك ، أو فاسلكي الطرقَ التي ألهمك في عمل العسلِ ، أو فاسلكي راجعةً إلى بيوتك سبلَ ربك ، لا تتوعّر عليك ، ولا تلتبس . { ذُلُلاً } ، جمع ذَلول ، وهو حال من السبل ، أي : مذللة غيرَ متوعرة ، ذللها الله سبحانه وسهلها لك ، أو من الضمير في اسلكي ، أي : اسلكي منقادةً لما أُمرتِ به ، { يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا } ، استئناف عُدل به عن خطاب النحلِ ؛ لبيان ما يظهر منها من تعاجيب صنعِ الله تعالى ، التي هي موضعُ العبرة ، بعد ما أُمِرتْ بما أمرتْ . { شَرَابٌ } ، أي : عسل ؛ لأنه مشروب ، واحتج به وبقوله تعالى : { كُلِي } ، من زعم : أن النحلَ تأكلُ الأزهار والأوراقَ العطِرة ، فتستحيل في بطنها عسلاً ، ثم تقيءُ ادّخاراً للشتاء ، ومن زعم : أنها تلتقط بأفواهها أجزاءً قليلةً حُلوة صغيرة متفرقةً على الأزهار والأوراق ، وتضعها في بيوتها ، فإذا اجتمع فيها شيءٌ كثيرٌ يكون عسلاً ، فسّر البطونَ بالأفواه ، { مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ } ، أبيضُ ، وأسودُ ، وأصفرُ ، وأحمرُ ، حسب اختلاف سنِّ النحل ، أو الفصلِ ، أو الذي أخذت منه العسل ، { فِيهِ شفاء لِلنَّاسِ } ، إما بنفسه كما في الأمراض البلغمية ، أو مع غيره كما في سائر الأمراض ، إذ قلما يكون معجونٌ لا يكون فيه عسلٌ ، مع أن التنكيرَ فيه مُشعرٌ بالتبعية ، ويجوز كونه للتفخيم ، وعن قتادةَ ، أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن أخي يشتكي بطنه ، فقال عليه الصلاة والسلام : « اسقِه العسلَ » فذهب ثم رجع فقال : قد سقَيتُه فما نفع ، فقال : « اذهبْ فاسقِه عسلاً ، فقد صدق الله ، وكذب بطنُ أخيك » ، فسقاه ، فبرِئ . كأنما أُنْشِط من عِقال ، وقيل : الضميرُ للقرآن ، أو لِما بين الله تعالى من أحوال النحل . وعن ابن مسعود رضي الله عنه : « العسلُ شفاءٌ لكل داء ، والقرآنُ شفاء لما في الصدور » « فعليكم بالشفاءَين : العسلِ والقرآنِ » { إِنَّ في ذَلِكَ } ، الذي ذكر من أعاجيب آثار قدرةِ الله تعالى ، { لآيَةً } عظيمة ، { لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } ، فإن من تفكر في اختصاص النحلِ بتلك العلومِ الدقيقة والأفعالِ العجيبةِ ، المشتملةِ على حسن الصنعةِ ، وصِحة القسمة ، التي لا يقدر عليها حُذّاقُ المهندسين ، إلا بآلات دقيقةٍ ، وأدواتٍ أنيقة ، وأنظار دقيقة ، جزم قطعاً بأن له خالقاً قادراً حكيماً ، يلهمها ذلك ، ويهديها إليه جل جلاله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.