النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ فَٱسۡلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلٗاۚ يَخۡرُجُ مِنۢ بُطُونِهَا شَرَابٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ فِيهِ شِفَآءٞ لِّلنَّاسِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (69)

{ ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك } ، أي : طرق ربك . { ذللاً } فيه أربعة أوجه : أحدها : مذللة ، قاله أبو جعفر الطبري .

الثاني : مطيعة ، قاله قتادة .

الثالث : أي : لا يتوعر عليها مكان تسلكه ، قاله مجاهد .

الرابع : أن الذلل من صفات النحل ، وأنها تنقاد وتذهب حيث شاء صاحبها ؛ لأنها تتبع أصحابها حيث ذهبوا ، قاله ابن زيد .

{ يخرج من بطونها شرابٌ } ، يعني : العسل . { مختلف ألوانُهُ } لاختلاف أغذيتها . { فيه شفاءٌ للناس } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أن ذلك عائد إلى القرآن ، وأن في القرآن شفاء للناس ، أي : بياناً للناس ، قاله مجاهد .

الثاني : أن ذلك عائد إلى الاعتبار بها أن فيه هدى للناس ، قاله الضحاك .

الثالث : أن ذلك عائد إلى العسل ، وأن في العسل شفاء للناس ، قاله ابن مسعود وقتادة . روى قتادة قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر أن أخاه اشتكى بطنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اذهب فاسق أخاك عسلاً " ثم جاء فقال : ما زاده إلا شدة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اذهب فاسق أخاك عسلاً " . ثم جاء فقال له : ما زاده إلا شدة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اذهب فاسق أخاك عسلاً ، صدق الله وكذب بطن أخيك ، فسقاه فكأنه نشط من عِقال{[1736]} . "


[1736]:ذكر ابن قيم الجوزية في زاد المعاد أن هذا الحديث جاء في الصحيحين من حديث أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري. وذكره بألفاظ أخرى لكنها تدور حول هذا المعنى. وقال: في تكرار سقيه العسل معنى طبي بديع وهو أن الدواء يجب أن يكون له مقدار وكمية بحسب حال الداء أن قصر عنه لم يزله بالكلية، وان جاوزه أوهن القوى فأحدث ضررا آخر فلما أمره أن يسقيه العسل سقاه مقدارا لا يفي بمقاومة الداء ولا يبلغ الغرض، فلما أخبره علم أن الذي سقاه لا يبلغ مقدار الحاجة فلما تكرر ترداده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أكد عليه المعاودة ليصل إلى المقدار المقاوم للداء، فلما تكررت الشربات. بحسب مادة الداء برأ بإذن الله. انظر زاد المعاد 3/73. وقد أسقطت نسخة ق هذا الحديث.