لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ فَٱسۡلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلٗاۚ يَخۡرُجُ مِنۢ بُطُونِهَا شَرَابٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ فِيهِ شِفَآءٞ لِّلنَّاسِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (69)

ولما حَفِظَ الأمر وأكل حلالاً ، طَابَ مأكلُه ، وجعل ما يخرج منه شفاءً للناس .

ثم إن الله - سبحانه- عَرَّفَ الخَلْقَ أَنَّ التفصيل ليس من جهة القياس والاستحقاق ؛ إذ أن النحلَ ليس له خصوصية في القامة أو الصورة أو الزينة ، ومع ذلك جعل منه العَسَلَ الذي هو شفاء للناس . والإنسان مع كمال صورته ، وتمام عقله وفطنته ، وما اختص به الأنبياء عليهم السلام والأولياء من الخصائص ، جعل فيهم من الوحشة ما لا يخفى . . . فأيُّ فضيلةٍ للنحل ؟ وأيُّ ذنبٍ لإنسان ؟ ليس ذلك إلا اختياره - سبحانه .

ويقال إن الله - سبحانه - أجرى سُنَّتَه أَنْ يُخْفِيَ كلَّ شيء عزيز في شيءٍ حقير ؛ فجعل الإبْرَيَسْمَ في الدود ، وهو أضعف الحيوانات ، وجعل العسل في النحل ، وهو أضعف الطيور ، وجعل الدُّرَّ في الصدف ، وهو أوحش حيوان من حيوانات البحر ، وكذلك أودع الذهب والفضة والفيروزج في الحجر . . . كذلك أودع المعرفة به والمحبة له في قلوب المؤمنين ، وفيهم من يعصي وفيهم من يخطئ .