الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ فَٱسۡلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلٗاۚ يَخۡرُجُ مِنۢ بُطُونِهَا شَرَابٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ فِيهِ شِفَآءٞ لِّلنَّاسِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (69)

وال{ سُبُلَ } الطرقُ ، وهي مسالكها في الطيران وغيره ، و{ ذُلُلاً } : يحتمل أن يكون حالاً من «النحل » ، أي : مطيعةً منقادةً ، قاله قتادة . قال ابن زَيْد : فهم يخرجون بالنحْل ينتجعون ، وهي تتبعهم قرأ : { أَوَلَمْ يَرَوا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أنعاما } [ يس : 71 ] ، ويحتملُ أنْ يكون حالاً من «السُّبُل » ، أي : مسَّهلةً مستقيمةً ، قاله مجاهد ، لا يتوعَّر عليها سبيلٌ تسلُكُه ، ثم ذكر تعالى على جهة تعديد النعمة ، والتنبيه على العِبْرة أمْرَ العَسَل في قوله : { يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ } [ النحل : 69 ] ، وجمهور الناس على أنَّ العسل يخرُجْ من أفواهِ النَّحْلِ ، واختلافُ الألوان في العسل بحسب اختلاف النَّحْلِ والمَرَاعِي ، أيُّ والفصول .

( ت ) : قال الهرويُّ : قوله تعالى : { يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ } ، وذلك أنه يستحيلُ في بطونها ، ثم تمجُّه من أفواهها انتهى .

وقوله : { فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ } . الضمير للعَسَل ، قاله الجمهور .

قال ابن العربيِّ في «أحكامه » ، وقد روى الأئمة ، واللفظُ للبخاريّ ، عن عائشة ، قالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ الحْلَوَاءَ والعَسَل ، وروى أبو سعيد الخُدْرِيُّ : ( أنَّ رجلاً أتَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : إنَّ أخِي يَشْتَكي بَطْنَهُ ، فَقَالَ : ( اسقه عَسَلاً ) ، ثم أتَاهُ الثَّانِيَةَ ، فَقَالَ : ( اسقه عَسَلاً ) ، ثُمَّ أتاه فَقَالَ : فَعَلْتُ فَمَا زَادَهُ ذَلِكَ إِلاَّ استطلاقا ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : ( صَدَق اللَّهُ وكَذَبَ بَطْنُ أخِيكَ ، اسقه عَسَلاً ) فسَقَاهُ ، [ فَبَرأ ] ) .

وروي أنَّ عوف بنَ مالك الأشْجَعِيَّ مَرِضَ ، فقيل له : ألا نُعَالِجُكَ ؟ فَقَالَ : ائتوني بمَاءِ سَمَاءٍ ، فإِنَّ اللَّهَ تعالى يقُولُ : { وَنَزَّلْنَا مِنَ السماء مَاءً مباركا } [ ق : 9 ] ، وائتوني بعَسَلٍ ؛ فإن اللَّه تعالى يقول : فِيهِ { شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ } [ النحل : 69 ] ، وائتوني بزيت ؛ فإن اللَّه تعالى يقولُ : { مِن شَجَرَةٍ مباركة } [ النور : 35 ] ، فجاؤوه بذلك كلِّه فخَلَطَهُ جميعاً ، ثم شَرِبَهُ ، [ فبرأَ ] انتهى .