أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري  
{ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ فَٱسۡلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلٗاۚ يَخۡرُجُ مِنۢ بُطُونِهَا شَرَابٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ فِيهِ شِفَآءٞ لِّلنَّاسِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (69)

شرح الكلمات :

{ سبل ربك ذللاً } : أي : طرق ربك مذللة ، فلا يعسر عليك السير فيها ولا تضلين عنها .

{ شراب } : أي : عسل .

{ فيه شفاء للناس } : أي : من الأمراض ، أن شرب بنية الشفاء ، أو بضميمته إلى عقار آخر .

المعنى :

/د67

وقوله تعالى : { ثم كلي من كل الثمرات } ، أي : ألهمها أن تأكل من كل ما تحصل عليه من الثمرات ، من الأشجار والنباتات ، أي : من أزهارها ونوارها ، وقوله لها : { فاسلكي سبل ربك ذللاً } ، بإلهام منه تسلك ما سخر لها ، وذلك من الطرق ، فتنتقل من مكان إلى آخر تطلب غذاءها ، ثم تعود إلى بيوتها لا تعجز ولا تضل ، وذلك بتذليل الله تعالى وتسخيره لها تلك الطرق ، فلا تجد فيها وعورة ولا تنساها فتخطئها . وقوله تعالى : { يخرج من بطونها } ، أي : بطون النحل ، { شراب } ، أي : عسل يشرب ، { مختلف ألوانه } ، ما بين أبيض وأسود ، أو أبيض مشرب بحمرة أو يضرب إلى صفرة . وقوله تعالى : { فيه شفاء للناس } ، أي : من الأدواء ، هذا التنكير في قوله : " شفاء " ، دال على بعض دون بعض ، جائز هذا حتى يضم إليه بعض الأدوية أو العقاقير الأخرى ، أما مع النية ، أي : أن يشرب بنية الشفاء من المؤمن ، فإنه شفاء لكل داء ، وبدون ضميمة ، أي : شيء آخر له .

وفي حديث الصحيح ، وخلاصته : أن رجلاً شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، استطلاق بطن أخيه ، أي مشي بطنه عليه ، فقال له : " اسقه عسلا " ، فسقاه فعاد فقال : ما أراه زاده إلا استطلاقاً ، فعاد فقال مثل ما قال أولا ، ثلاث مرات ، وفي الرابعة أو الثالثة ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صدق الله ، وكذب بطن أخيك ، اسقه العسل " فسقاه ، فقام كأنما نشط من عقال . وقوله تعالى : { إن في ذلك } ، أي : المذكور ، من إلهام الله تعالى للنحل ، وتعليمها كيف تصنع العسل ليخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس ، لدلالة واضحة على علم الله وقدرته ، ورحمته وحكمته المقتضية عبادته وحده ، وتأليهه دون سواه ، ولكن لقوم يتفكرون في الأشياء وتكوينها وأسبابها ونتائجها ، فيهتدون إلى المطلوب منهم ، وهو : أن يذكروا ، فيتعظوا ، فيتوبوا إلى خالقهم ، ويسلموا له بعبادته وحده دون سواه .

/ذ70