المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّـٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ وَإِن يَسۡتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٖ كَٱلۡمُهۡلِ يَشۡوِي ٱلۡوُجُوهَۚ بِئۡسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتۡ مُرۡتَفَقًا} (29)

29- وقل - أيها الرسول - : إن ما جئت به هو الحق من عند ربكم ، فمن شاء أن يؤمن به فليؤمن ، فذلك خير له ، ومن شاء أن يكفر فليكفر فإنه لم يظلم إلا نفسه . إننا أعددنا لمن ظلم نفسه بالكفر ناراً تحيط بهم كالسرادق . وإن يستغث الظالمون بطلب الماء وهم في جهنم ؛ يؤت لهم بماء كالزيت العكر الشديد الحرارة يحرق الوجوه بلهيبه . قَبُحَ هذا الشراب لهم ، وقبحت جهنم مكاناً لراحتهم .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّـٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ وَإِن يَسۡتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٖ كَٱلۡمُهۡلِ يَشۡوِي ٱلۡوُجُوهَۚ بِئۡسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتۡ مُرۡتَفَقًا} (29)

قوله تعالى : { وقل الحق من ربكم } أي : ما ذكر من الإيمان والقرآن ، معناه : قل يا محمد لهؤلاء الذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا : أيها الناس قد جاءكم من ربكم الحق وإليه التوفيق والخذلان ، وبيده الهدى والضلال ، ليس إلي من ذلك شيء . ‌{ فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } ، هذا على طريق التهديد والوعيد كقوله : { اعملوا ما شئتم } [ فصلت -40 ] . وقيل معنى الآية : وقل الحق من ربكم ، ولست بطارد المؤمنين لهواكم ، فإن شئتم فآمنوا وإن شئتم فاكفروا ، فإن كفرتم فقد أعد لكم ربكم ناراً أحاط بكم سرادقها ، وإن آمنتم فلكم ما وصف الله عز وجل لأهل طاعته . وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما في معنى الآية : من شاء الله له الإيمان آمن ، ومن شاء له الكفر ، كفر ، وهو قوله : { وما تشاؤون إلا أن يشاء الله } [ الإنسان – 30 ] . { إنا أعتدنا } : أعددنا ، وهيأنا ، من الإعداد ، وهو العدة ، { للظالمين } للكافرين { ناراً أحاط بهم سرادقها } السرادق : الحجزة التي تطيف بالفساطيط .

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنبأنا محمد بن أحمد بن الحارث ، أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، أنبأنا عبد الله بن المبارك ، عن رشدين بن سعد ، حدثني عمرو بن الحارث ، عن دراج بن أبي السمح ، عن أبي الهيثم بن عبد الله ، عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " سرادق النار أربعة جدر كثف كل جدار مثل مسيرة أربعين سنة " . قال ابن عباس : هو حائط من نار . وقال الكلبي :هو عنق يخرج من النار فيحيط بالكفار كالحظيرة . وقيل : هو دخان يحيط بالكفار وهو الذي ذكره الله تعالى ‌{ انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب } [ المرسلات – 30 ] . { وإن يستغيثوا } ، من شدة العطش ، { يغاثوا بماء كالمهل } .

أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنبأنا محمد بن أحمد بن الحارث ، أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أنبأنا عبد الله بن محمود ، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله بن الخلال ، ثنا عبد الله بن المبارك عن رشدين بن سعد ، ثنا عمرو بن الحارث ، عن دراج بن أبي السمح ، عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بماء كالمهل " قال كعكر الزيت ، فإذا قرب إليه سقطت فروة وجهه فيه " . وقال ابن عباس : هو ماء غليظ مثل دردي الزيت . وقال مجاهد : هو القيح والدم . وسئل ابن مسعود عن : المهل فدعا بذهب وفضة فأوقد عليهما النار حتى ذابا ، ثم قال : هذا أشبه شيء بالمهل . { يشوي الوجوه } ينضج الوجوه من حره . { بئس الشراب وساءت } النار { مرتفقاً } ، قال ابن عباس : منزلاً . وقال مجاهد : مجتمعاً . وقال عطاء : مقراً . وقال القتيبي : مجلساً . وأصل المرتفق : المتكأ .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّـٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ وَإِن يَسۡتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٖ كَٱلۡمُهۡلِ يَشۡوِي ٱلۡوُجُوهَۚ بِئۡسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتۡ مُرۡتَفَقًا} (29)

{ 29-31 } { وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا * أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا }

أي : قل للناس يا محمد : هو الحق من ربكم أي : قد تبين الهدى من الضلال ، والرشد من الغي ، وصفات أهل السعادة ، وصفات أهل الشقاوة ، وذلك بما بينه الله على لسان رسوله ، فإذا بان واتضح ، ولم يبق فيه شبهة .

{ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } أي : لم يبق إلا سلوك أحد الطريقين ، بحسب توفيق العبد ، وعدم توفيقه ، وقد أعطاه الله مشيئة بها يقدر على الإيمان والكفر ، والخير والشر ، فمن آمن فقد وفق للصواب ، ومن كفر فقد قامت عليه الحجة ، وليس بمكره على الإيمان ، كما قال تعالى { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } وليس في قوله : { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } الإذن في كلا الأمرين ، وإنما ذلك تهديد ووعيد لمن اختار الكفر بعد البيان التام ، كما ليس فيها ترك قتال الكافرين . ثم ذكر تعالى مآل الفريقين فقال : { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ } بالكفر والفسوق والعصيان { نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا } أي : سورها المحيط بها ، فليس لهم منفذ ولا طريق ولا مخلص منها ، تصلاهم النار الحامية .

{ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا } أي : يطلبوا الشراب ، ليطفئ ما نزل بهم من العطش الشديد .

{ يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ } أي : كالرصاص المذاب ، أو كعكر الزيت ، من شدة حرارته .

{ يَشْوِي الْوُجُوهَ } أي : فكيف بالأمعاء والبطون ، كما قال تعالى { يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد }

{ بِئْسَ الشَّرَابُ } الذي يراد ليطفئ العطش ، ويدفع بعض العذاب ، فيكون زيادة في عذابهم ، وشدة عقابهم .

{ وَسَاءَتْ } النار { مُرْتَفَقًا } وهذا ذم لحالة النار ، أنها ساءت المحل ، الذي يرتفق به ، فإنها ليست فيها ارتفاق ، وإنما فيها العذاب العظيم الشاق ، الذي لا يفتر عنهم ساعة ، وهم فيه مبلسون قد أيسوا من كل خير ، ونسيهم الرحيم في العذاب ، كما نسوه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّـٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ وَإِن يَسۡتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٖ كَٱلۡمُهۡلِ يَشۡوِي ٱلۡوُجُوهَۚ بِئۡسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتۡ مُرۡتَفَقًا} (29)

28

( وقل : الحق من ربكم ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) . .

بهذه العزة ، وبهذه الصراحة ، وبهذه الصرامة ، فالحق لا ينثني ولا ينحني ، إنما يسير في طريقه قيما لا عوج فيه ، قويا لا ضعف فيه ، صريحا لا مداورة فيه . فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر . ومن لم يعجبه الحق فليذهب ، ومن لم يجعل هواه تبعا لما جاء من عند الله فلا مجاملة على حساب العقيدة ؛ ومن لم يحن هامته ويطامن من كبريائه أمام جلال الله فلا حاجة بالعقيدة إليه .

إن العقيدة ليست ملكا لأحد حتى يجامل فيها . إنما هي ملك لله ، والله غني عن العالمين . والعقيدة لا تعتز ولا تنتصر بمن لا يريدونها لذاتها خالصة ، ولا يأخذونها كما هي بلا تحوير . والذي يترفع عن المؤمنين الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه لا يرجى منه خير للإسلام ولا المسلمين .

ثم يعرض ما أعد للكافرين ، وما أعد للمؤمنين في مشهد من مشاهد القيامة :

( إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها ؛ وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه . بئس الشراب وساءت مرتفقا . إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا . أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار ، يحلون فيها من أساور من ذهب ؛ ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق ، متكئين فيها على الأرائك . نعم الثواب وحسنت مرتفقا ) .

( إنا أعتدنا للظالمين نارا ) . . أعددناها وأحضرناها . . فهي لا تحتاج إلى جهد لإيقادها ، ولا تستغرق زمنا لإعدادها ! ومع أن خلق أي شيء لا يقتضي إلا كلمة الإرادة : كن . فيكون . إلا أن التعبير هنا بلفظ( اعتدنا )يلقي ظل السرعة والتهيؤ والاستعداد ، والأخذ المباشر إلى النار المعدة المهيأة للاستقبال !

وهي نار ذات سرادق يحيط بالظالمين ، فلا سبيل إلى الهرب ، ولا أمل في النجاة والإفلات . ولا مطمع في منفذ تهب منه نسمة ، أو يكون فيه استرواح !

فإن استغاثوا من الحريق والظمأ أغيثوا . . أغيثوا بماء كدردي الزيت المغلي في قول ، وكالصديد الساخن في قول ! يشوي الوجوه بالقرب منها فكيف بالحلوق والبطون التي تتجرعه ( بئس الشراب ) الذي يغاث به الملهوفون من الحريق ! ويا لسوء النار وسرادقها مكانا للارتفاق والاتكاء . وفي ذكر الارتفاق في سرادق النار تهكم مرير . فما هم هنالك للارتفاق ، إنما هم للاشتواء !

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّـٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ وَإِن يَسۡتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٖ كَٱلۡمُهۡلِ يَشۡوِي ٱلۡوُجُوهَۚ بِئۡسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتۡ مُرۡتَفَقًا} (29)

وقوله تعالى : { وقل الحق } الآية ، المعنى وقل لهم يا محمد هذا { الحق من ربكم } أي هذا القرآن ، أو هذا الإعراض عنكم ، وترك الطاعة لكم ، وصبر النفس مع المؤمنين ، وقرأ قعنب وأبو السمال{[7794]} «وقلَ » بفتح اللام قال أبو حاتم وذلك رديء في العربية ، وقوله { فمن شاء فليؤمن } الآية توعد وتهديد ، أي فليختر كل امرىء لنفسه ما يجده غداً عند الله عز وجل ، وتأولت فرقة { فمن شاء } الله إيمانه { فليؤمن ومن شاء } الله كفره { فليكفر } ، وهو متوجه ، أي فحقه الإيمان وحقه الكفر ، ثم عبر عن ذلك بلفظ الأمر إلزماً وتحريضاً ، ومن حيث للإنسان في ذلك التكسب الذي به يتعلق ثواب الإيمان وعقاب الكفر ، وقرأ الحسن وعيسى الثقفي «فلِيؤمن » «ولِيكفر » بكسر اللامين { وأعتدنا } مأخوذ من العتاد وهو الشيء المعد الحاضر و «السرادق » وهو الجدار المحيط كالحجرة التي تدور وتحيط الفسطاط ، وقد تكون من نوع الفسطاط أديماً أو ثوباً أو نحوه ، ومنه قول رؤبة : [ الرجز ]

يا حكم بن المنذر بن الجارود . . . سرادق والمجد عليك ممدود{[7795]}

ومنه قول سلامة بن جندل : [ الطويل ]

هو المولج النعمان بيتا سماؤه . . . صدور الفيول بعد بيت مسردق{[7796]}

وقال الزجاج «السرادق » كل ما أحاط بشيء .

قال القاضي أبو محمد : وهو عندي أخص مما قال الزجاج ، واختلف في «سرادق » النار فقال ابن عباس { سرادقها } حائط من نار وقالت فرقة { سرادقها } دخان يحيط بالكفار ، وقوله تعالى : { انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب }{[7797]} [ المرسلات : 30 ] وقالت فرقة الإحاطة هي في الدنيا ، والسرادق البحر ، وروي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق يعلى بن أمية ، فيجيء قوله تعالى : { أحاط بهم } أي بالبشر ذكر الطبري الحديث عن يعلى قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «البحر هي جهنم » وتلا هذه الآية : ثم قال «والله لا أدخله أبداً أو ما دمت حياً »{[7798]}

، وروي عنه أيضاً عليه السلام من طريق أبي سعيد الخدري أنه قال «سرادق النار أربعة جدور ، كتف عرض كل جدار مسيرة أربعين سنة »{[7799]} ، وقوله عز وجل { يغاثوا } أي يكون لهم مقام الغوث وهذا نحو قول الشاعر : [ الوافر ]

تحية بينهم ضرب وجيع{[7800]} . . . أي القائم مقام التحية و «المهل » قال أبو سعيد عن النبي عليه السلام هو دردي{[7801]} الزيت إذا انتهى حده ، وقالت فرقة هو كل مائع سخن حتى انتهى حره ، وقال ابن مسعود وغيره هو كل ما أذيب من ذهب أو فضة أو رصاص أو نحو هذا من الفلز حتى يميع ، وروي أن عبد الله بن مسعود أهديت إليه سقاية من ذهب أو فضة فأمر بها فأذيبت حتى تميعت وتلونت ألواناً ثم دعا من ببابه من أهل الكوفة ، فقال ما رأيت في الدنيا شيئاً أدنى شبهاً «بالمهل » من هذا ، يريد أدنى شبهاً بشراب أهل النار ، وقالت فرقة «المهل » : الصديد والدم إذا اختلطا ، ومنه قول أبي بكر الصديق في الكفن : «إنما هو للمهلة » ، يريد لما يسيل من الميت في قبره ، ويقوى هذا بقوله { ويسقى من ماء صديد }{[7802]} [ إبراهيم : 16 ] الآية . وقوله { يشوي الوجوه } روي في معناه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «تقرب الشربة من الكافر ، فإذا دنت منه تكَّرهها ، فإذا دنت أكثر شوت وجهه ، وسقطت فيها فروة وجهه ، وإذا شرب تقطعت أمعاؤه »{[7803]} و «المرتفق » ، الشيء الذي يرتفق به أي يطلب رفقه ، و «المرتفق » الذي هو المتكأ أخص من هذا الذي في الآية ، لأنه في شيء واحد من معنى الرفق ، على أن الطبري قد فسر الآية به ، والأظهر عندي أن يكون «المرتفق » بمعنى الشيء الذي يطلب رفقه باتكاء وغيره ، وقال مجاهد «المرتفق » المجتمع كأنه ذهب بها إلى موضع الرفاقة ، ومنه الرفقة ، وهذا كله راجع إلى الرفق ، وأنكر الطبري أن يعرف لقول مجاهد معنى ، والقول بين الوجه ، والله المعين{[7804]} .


[7794]:ضبطه في المعنى بفتح القاف والنون وسكون العين، وهو أبو السمال العدوي.
[7795]:هذان البيتان من أرجوزة قصيرة لرؤبة، وهي في ديوانه ضمن أبيات مفردات منسوبة إليه، والأرجوزة سبعة أبيات، والبيت الثاني في الديوان: (أنت الجواد ابن الجواد المحمود)، أما البيت الثاني هنا فهو هناك الخامس، والبيتان في الأشموني، والعيني، واللسان، والطبري، والقرطبي، والكتاب لسيبويه، وابن يعيش، وقال في العيني: "نسب الجوهري الأبيات إلى رؤبة، وليس بصحيح، بل هي لراجز من بني الحرماز، وكذلك نسب الكتاب البيت الأول لراجز بني الحرماز، والراجز يمدح أحد بني المنذر بن الجارود العبدي، واسمه (حكم)، وقد ولي البصرة لهشام بن عبد الملك، وسمي جده الجارود لأنه أغار على قوم فاكتسح أموالهم، فأشبه السيل الذي يجرد ما يمر عليه. والنحويون يستشهدون بالبيت الأول على إتباع الموصوف للصفة ؛ لأن النعت والمنعوت كاسم ضم إلى اسم، وعلى هذا تبع (حكم) (ابن). أما الشاهد هنا فهو في كلمة (سرادق)، والسرادق: كل ما أحاط بالشيء، نحو الشقة في المضرب (الخيمة)، أو الحائط المشتمل على الشيء، وكل بيت من كرسف فهو سرادق، والكرسف: القطن.
[7796]:البيت لسلامة بن جندل، الشاعر الجاهلي القديم، من قصيدة له اختارها الأصمعي في كتابه (الأصمعيات)، وعدد أبياتها أربعون بيتا، وهي أيضا في الديوان، والبيت في اللسان – والطبري، والقرطبي. وقد ذكر صاحب اللسان أن الجوهري نسب البيت للأعشى، وصحح هو نسبة البيت. والرواية في اللسان والأصمعيات: (هو المدخل النعمان...)، والبيت المسردق هو أن يكون أعلاه وأسفله مشدودا كله، والشاعر هنا يشير إلى ما فعله كسرى أبرويز من إدخاله النعمان بيتا فيه ثلاثة أفيال فوطئته حتى قتلته، وكما أخطأ الجوهري في نسبة البيت للأعشى أخطأ كذلك حين قال: إن (ابن وبر) قتل النعمان بن المنذر تحت أرجل الفيلة، والصواب أنه (أبرويز).
[7797]:الآية (30) من سورة (المرسلات).
[7798]:أخرجه أحمد، والبخاري في تاريخه، وابن أبي الدنيا، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في البعث، عن يعلى بن أمية، ولفظه كما ذكره السيوطي في الدر المنثور: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن البحر من جهنم) ثم تلا: {نارا أحاط بهم سرادقها).
[7799]:أخرجه أحمد، والترمذي، وابن أبي الدنيا في صفة النار، وابن جرير، وأبو يعلى، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، وابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. (الدر المنثور)، والكشف: جمع كثيف، وهو الغليظ الثخين.
[7800]:هذا عجز بيت لعمرو بن معد يكرب، وهو في الكتاب، ونوادر أبي زيد، والعمدة، وابن يعيش، والخزانة، والتصريح، والخصائص، والمرزوقي، والبيت بتمامه: وخيل قد دلفت لها بخيل تحية بينهم ضرب وجيع يريد بالخيل: الفرسان، ودلف: زحف، والوجيع: الموجع، يقول: إذا تلاقوا في الحرب جعلوا الضرب الموجع بينهم بدلا من التحية، والشاهد فيه أنه جعل الضرب الموجع تحية على الاتساع والمجاز، وسيبويه يجعل ذلك دليلا على جواز البدل فيما لم يكن من جنس المبدل منه حقيقة. وابن عطية يستشهد بالبيت على أن الآية الكريمة يجوز فيها الاتساع، وجعل المهل الذي يشوي الوجوه قائما مقام الغوث الذي يطلبه أهل النار.
[7801]:الدردي: ما رسب أسفل العسل والزيت ونحوهما من كل شيء مائع كالأشربة والأدهان. (المعجم الوسيط).
[7802]:من الآية (16) من سورة (إبراهيم).
[7803]:أخرج الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: [كالمهل]، قال: (كعكر الزيت فإذا قربه إلى وجهه سقطت فروة وجهه)ن قال القرطبي: "قال أبو عيسى: هذا حديث إنما نعرفه من حديث رشدين بن سعد، ورشدين قد تكلم فيه من قبل حفظه، وخرج عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {ويسقى من ماء صديد يتجرعه}، قال: (يقرب إلى فيه فيكرهه، فإذا أدني منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه، فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره، يقول الله تبارك وتعالى: {وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم}، ويقول: {وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا}. قال: حديث غريب".
[7804]:لم يقل الطبري رحمه الله: إنه لا يعرف لقول مجاهد معنى، وإنما قال بالنص: "ولست أعرف الارتفاق بمعنى الاجتماع في كلام العرب، وإنما الارتفاق: افتعال، إما من المرفق، وإما من الرفق". راجع الجزء 16-242 من تفسير الطبري.