التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّـٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ وَإِن يَسۡتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٖ كَٱلۡمُهۡلِ يَشۡوِي ٱلۡوُجُوهَۚ بِئۡسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتۡ مُرۡتَفَقًا} (29)

قوله تعالى : { وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا } يأمر الله نبيه محمدا ( ص ) أن يقول للناس ناصحا ومبلغا بأن الحق إنما هو من عند الله وحده .

والمراد ههنا القرآن ، أو الإسلام ؛ فإنه الحق ؛ فهو الدين الرباني المتكامل الذي لا يعتريه خلل ولا ضعف ولا تشويه شائبة من عيوب البشر ونقائصهم . والذي ينطوي في مضمونه ومعناه على كل أسباب الخير والسعادة والنجاة للبشرية ، سواء فيه العقيدة الراسخة المكينة السمحة ، أو التشريع الكبير الواسع الذي يفضّ كل النزاعات ويتناول كل القضايا والمشكلات ، ويقرر في واقع البشر كل ظواهر الأخوة والمودة والرحمة ليعيش الناس في كل زمان إخوانا متحابين متعاونين .

قوله : ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) والمراد من ذلك الوعيد والتهديد ؛ أي قد أبلغتكم دعوة ربكم وهو الحق الذي لا ريب فيه . فإن آمنتم فلسوف يُصار بكم إلى النجاة . وإن كفرتم وأدبرتم فما مصيركم إلا إلى الجحيم والهوان .

قوله : ( إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها ) السرادق ، معناه السور من نار . وذلك تهديد رعيب من الله للمشركين الخاسرين الذين يجحدون بآيات الله أو يصدون عن دينه صدا . أولئك ( اعتدنا ) أي أعددنا لهم النار وقد أحاط بهم سورها ؛ فهم غائرون في العذاب البئيس ؛ إذ تغشاهم النار فتلفح وجوههم وأبدانهم ويحيط بهم سورها الحارق المطبق من كل مكان ، فلا يجد حينئذ مناصا ولا موئلا . وذلك لون من ألوان التعذيب الفظيع الذي يغشى المجرمين يوم القيامة .

( وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه ) المهل ، معناه النحاس المذاب . وقيل : دردي الزيت{[2805]} . وقيل : ماء أسود منتن غليظ بالغ الحرارة . والمعنى : أن هؤلاء المعذبين في النار لفرط ما يصيبهم من العطاش الشديد يطلبون الماء ليشربوا ، فيسقون ماء شديد الحرارة كالمهل وهو ماء النار ، وماؤها أسود غليظ فظيع الحرارة ، كلما أدنوه من أفواههم ليشربوا سقطت جلدة وجوههم .

وهذا لون ثان من ألوان التعذيب الحارق الذي يشقى فيه الظالمون الخاسرون يوم القيامة ( بئس الشراب وساءت مرتفقا ) أي بئس هذا الشراب الذي يغاث به هؤلاء الظالمون في جهنم . ( وساءت ) هذه النار ( مرتفقا ) أي ساءت متكئا ومنزلا ومقيلا{[2806]} نسأل الله العافية والسلامة والنجاة .


[2805]:- مختار الصحاح ص 638.
[2806]:- تفسير الطبري جـ15 ص 159 وتفسير ابن كثير جـ3 ص 82.