النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّـٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ وَإِن يَسۡتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٖ كَٱلۡمُهۡلِ يَشۡوِي ٱلۡوُجُوهَۚ بِئۡسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتۡ مُرۡتَفَقًا} (29)

قوله عز وجل : { وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } هذا وإن كان خارجاً مخرج التخيير فهو على وجه التهديد والوعيد ، وفيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنهم لا ينفعون الله بإيمانهم ولا يضرونه بكفرهم .

الثاني : فمن شاء الجنة فليؤمن ، ومن شاء النار فليكفر ، قاله ابن عباس .

الثالث : فمن شاء فليعرِّض نفسه للجنة بالإيمان ، ومن شاء فليعرض نفسه للنار بالكفر .

{ إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : أن سرادقها حائط من النار يطيف بهم ، قاله ابن عباس .

الثاني : هو دخانها ولهيبها قبل وصولهم إليها ، وهو الذي قال الله تعالى فيه :

{ إلى ظلٍّ ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب } [ المرسلات : 30-31 ] ، قاله قتادة .

الثالث : أنه البحر المحيط بالدنيا ، روى يعلى بن أمية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " البحر هو جهنم " ثم تلا { ناراً أحاط بهم سرادقها } ثم قال : " والله لا أدخلها أبداً ما دمت حياً ولا يصيبني منها قطرة " والسرادق فارسي معرب ، واصله سرادر .

{ وإن يستغيثوا يُغَاثوا بماءٍ كالمهل . . . } فيه أربعة تأويلات :

أحدها : أنه القيح والدم ، قاله مجاهد .

الثاني : دردي الزيت ، قاله ابن عباس .

الثالث : أنه كل شيء أذيب حتى انماع ؛ قاله ابن مسعود .

الرابع : هو الذي قد انتهى حره ، قاله سعيد بن جبير ، قال الشاعر :

شاب بالماء منه مهلاً كريهاً *** ثم علّ المتون بعد النهال{[1824]}

وجعل ذلك إغاثة لاقترانه بذكر الاستغاثة .

{ . . . بئس الشراب وساءت مرتفقاً } في المرتفق أربعة تأويلات :

أحدها : معناه مجتمعاً ، قاله مجاهد ، كأنه ذهب إلى معنى المرافقة .

الثاني : منزلاً قاله الكلبي ، مأخوذ من الارتفاق .

الثالث : أنه من الرفق .

الرابع : أنه من المتكأ مضاف إلى المرفق ، ومنه قول أبي ذؤيب :

نامَ الخَلِيُّ وَبِتُّ الليْلَ مُرْتَفِقاً *** كَأَنَّ عَيْنِي فيها الصَّابُ مَذْبُوحُ


[1824]:سيرة ابن هشام 1/389.