بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّـٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ وَإِن يَسۡتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٖ كَٱلۡمُهۡلِ يَشۡوِي ٱلۡوُجُوهَۚ بِئۡسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتۡ مُرۡتَفَقًا} (29)

ثم قال تعالى : { وَقُلِ الحق مِن رَّبّكُمْ } ، أي القرآن ، يعني : الذي أعطاكم به الحق من ربكم وهو قول : لا إله إلا الله ، يعني : ادعهم إلى الحق . { فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ } ، أي من شاء فليقل : لا إله إِلا الله ؛ ويقال : معناه من شاء الله له الإيمان آمن ، ومن شاء الله له الكفر كفر ؛ ويقال : { فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن } من لفظه لفظ المشيئة ، والمراد به الأمر ، يعني : آمنوا ؛ ومن شاء فليكفر لفظه لفظ المشيئة والمراد به الخبر ومعناه ومن كفر . { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا } ، يعني : للكافرين { أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا } ، يعني : أن دخانها محيط بالكافرين ، قال الكلبي ومقاتل : يخرج عنق من النار ، فيحيط بهم كالحظيرة .

{ وَإِن يَسْتَغِيثُواْ } من العطش ، { يُغَاثُواْ بِمَاء كالمهل } ، أي أسودَ غليظاً كرديء الزيت ؛ وهذا قول الكلبي والسدي وابن جبير . وروى عكرمة ، عن ابن عباس مثله ؛ ويقال : هو الصفر المذاب أو النحاس المذاب ، إذ بلغ غايته في الحر ؛ وروى الضحاك ، عن ابن مسعود : أنه أذاب فضة من بيت المال ، ثم بعث إلى أهل المسجد وقال : من أحب أن ينظر إلى المهل ، فلينظر إلى هذا : وقال مجاهد : المهل القيح والدم الأسود كعكر الزيت . { يَشْوِى الوجوه } ، يعني : إذا هوى به إلى فيه أنضج وجهه . { بِئْسَ الشراب } المهل . { وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا } ، يقول بئس المنزل النار ، رفقاؤهم فيها الشياطين والكفار . { وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا } ، أي مجلساً . وأصل الارتفاق الاتكاء على المرفق .