نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّـٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ وَإِن يَسۡتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٖ كَٱلۡمُهۡلِ يَشۡوِي ٱلۡوُجُوهَۚ بِئۡسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتۡ مُرۡتَفَقًا} (29)

ولما رغبه{[46124]} في أوليائه ، وزهده في أعدائه ، ترضية بقدره{[46125]} بعد أن{[46126]} قص الحق من قصة أهل الكهف للمتعنتين ، {[46127]}علمه ما يقول لهم{[46128]} على وجه يعمهم ويعم غيرهم ويعم القصة وغيرها فقال{[46129]} تعالى مهدداً ومتوعداً - كما نقل عن علي رضي الله عنه وكذا عن غيره{[46130]} : { وقل } أي لهم{[46131]} ولغيرهم : هذا الذي جئتكم به من هذا الوحي العربي العري عن العوج ، الظاهر الإعجاز ، الباهر{[46132]} الحجج { الحق } {[46133]}كائناً { من ربكم } المحسن إليكم{[46134]} في أمر أهل الكهف وغيرهم{[46135]} من صبر نفسي مع المؤمنين ، والإعراض عمن سواهم وغير ذلك ، لا ما قلتموه في أمرهم ، ويجوز أن يكون الحق مبتدأ{[46136]} { فمن شاء } {[46137]}أي منكم ومن غيركم{[46138]} { فليؤمن } {[46139]}بهذا الذي قصصناه فيهم وفي غيرهم{[46140]} ، فهو مقبول مرغوب فيه وإن كان فقيراً زريّ{[46141]} الهيئة {[46142]}ولم ينفع إلا نفسه{[46143]} { ومن شاء } منكم{[46144]} ومن غيركم{[46145]} { فليكفر } فهو أهل لأن{[46146]} يعرض عنه ولا يلتفت إليه وإن كان أغنى الناس وأحسنهم هيئة ، وإن تعاظمت هيبته لما اشتد من أذاه ، وأفرط من ظلمه ، وسنشفي قلوب المؤمنين {[46147]}في الدارين{[46148]} بالانتقام منه{[46149]} ، والآية{[46150]} دالة على أن كلاًّ من الكفر والإيمان موقوف على المشيئة بخلق{[46151]} الله تعالى ، لأن الفعل الاختياري يمتنع حصوله بدون القصد إليه وذلك القصد إن كان بقصد آخر يتقدمه لزم أن يكون كل قصد مسبوقاً بقصد آخر إلى غير النهاية وهو محال ، فوجب أن تنتهي تلك{[46152]} القصود إلى قصد يخلقه الله في العبد على سبيل الضرورة يجب به الفعل{[46153]} ، فالإنسان مضطر في صورة مختار ، فلا دليل للمعتزلة في هذه الآية .

ولما هدد السامعين بما حاصله : ليختر كل امرىء لنفسه ما يجده غداً عند الله تعالى ، اتبع هذا التهديد تفصيلاً لما أعد للفريقين من الوعد والوعيد{[46154]} لفاً ونشراً مشوشاً - بما يليق بهذا الأسلوب المشير إلى أنه لا كفوء له من نون العظمة فقال تعالى : { إنا اعتدنا } {[46155]}أي هيأنا بما لنا من العظمة تهيئة قريبة جداً ، وأحضرنا على وجه ضخم شديد تام التقدير{[46156]} { للظالمين } أي لمن لم يؤمن ، ولكنه وصف إشارة إلى تعليق الحكم به { ناراً } {[46157]}جعلناها معدة لهم{[46158]} { أحاط بهم } كلهم { سرادقها } أي حائطها الذي يدار حولها كما يدار الحظير حول الخيمة {[46159]}من جميع الجوانب{[46160]} .

ولما كان المحرور شديد الطلب للماء قال تعالى : { وإن يستغيثوا } من حر النار فيطلبوا الغيث - وهو ماء المطر - والغوث بإحضاره{[46161]} لهم ؛ وشاكل استغاثتهم تهكماً بهم فقال تعالى{[46162]} : { يغاثوا بماء } ليس كالماء الذي قدمنا الإشارة إلى أنا نحيي به الأرض بعد صيرورتها صعيداً جرزاً ، بل{[46163]} { كالمهل } وهو القطران الرقيق وما ذاب من صفر أو حديد والزيت{[46164]} أو درديّه{[46165]} - قاله في القاموس .

وشبهه به من أجل تناهي الحر مع كونه ثخيناً ، وبين وجه الشبه بقوله تعالى : { يشوي الوجوه } أي إذا قرب إلى الفم{[46166]} فكيف بالفم والجوف ! ثم وصل بذلك ذمه فقال تعالى : { بئس الشراب } أي هو ، فإنه أسود منتن غليظ حار ، وعطف عليه ذم النار المعدة لهم فقال تعالى : { وساءت مرتفقاً * } {[46167]}أي منزلاً يعد للارتفاق{[46168]} ،


[46124]:من ظ ومد وفي الأصل: رغب.
[46125]:من ظ ومد وفي الأصل: في قدره.
[46126]:زيد من مد.
[46127]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[46128]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[46129]:من مد، وفي الأصل وظ: قال.
[46130]:زيد في ظ: فقال.
[46131]:زيد في ظ: هذا كله والعبارة من هنا إلى "الباهر الحجج" ساقطة منه.
[46132]:من مد، وفي الأصل: الباهرة.
[46133]:زيد في الأصل: أي ولم تكن الزيادة في ظ ومد فحذفناها.
[46134]:زيد من ظ ومد.
[46135]:زيد من مد.
[46136]:العبارة من "في أمر"é إلى هنا ساقطة من ظ.
[46137]:في ظ: منهم.
[46138]:في ظ: منهم.
[46139]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[46140]:سقط ما بين الرقمين من ظ
[46141]:من ظ ومد وفي الأصل: زوى.
[46142]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[46143]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[46144]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[46145]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[46146]:من ظ، وفي الأصل: إن لا، وفي مد: لا – كذا.
[46147]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[46148]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[46149]:العبارة من هنا إلى "التهديد تفصيلا" ساقطة من ظ.
[46150]:من مد، وفي الأصل: لانه
[46151]:من مد، وفي الأصل: خلق.
[46152]:زيد من مد.
[46153]:من مد وفي الأصل: إلا لفعل.
[46154]:زيد من ظ ومد.
[46155]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[46156]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[46157]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[46158]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[46159]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[46160]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[46161]:من مد، وفي الأصل: بإحضار.
[46162]:العبارة من "والغوث" إلى هنا ساقطة من ظ.
[46163]:زيد من مد.
[46164]:زيد من القاموس.
[46165]:من القاموس وفي الأصول: درذبة – كذا.
[46166]:من مد، وفي الأصل وظ، الفهم.
[46167]:العبارة من هنا إلى "فكأنه قيل" متكررة في مد بعد "الذين آمنوا".
[46168]:من ظ ومد، وفي الأصل: الارتفاق.