التفسير الصحيح لبشير ياسين - بشير ياسين  
{وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّـٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ وَإِن يَسۡتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٖ كَٱلۡمُهۡلِ يَشۡوِي ٱلۡوُجُوهَۚ بِئۡسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتۡ مُرۡتَفَقًا} (29)

قوله تعالى { وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا }

قال الشيخ الشنقيطي : ظاهر هذه الآية الكريمة بحسب الوضع اللغوي -التخيير بين الكفر والإيمان- ولكن المراد من الآية الكريمة ليس هو التخيير ، وإنما المراد بها التخويف والتهديد . والتهديد بمثل هذه الصيغة التي ظاهرها التخيير أسلوب من أساليب اللغة العربية . والدليل من القرآن العظيم على أن المراد من الآية التهديد والتخويف -أنه أتبع ذلك بقوله : { إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا } وهذا أصرح دليل على أن المراد التهديد والتخويف إذ لو كان التخيير على بابه لما توعد فاعل أحد الطرفين المخير بينهما بهذا العذاب الأليم .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } ، يقول : من شاء الله له الإيمان آمن ، ومن شاء له الكفر كفر ، وهو قوله { وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين } وليس هذا بإطلاق من الله الكفر لمن شاء ، والإيمان لمن أراد ، وإنما هو تهديد ووعيد .

قال الترمذي : حدثنا أبو كريب ، حدثنا رشدين بن سعد عن عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { كالمهل } قال : كعكر الزيت ، فإذا قربه إلى وجهه سقطت فروة وجهة فيه .

( السنن4/704ح2581-ك صفة جهنم ، ب ما جاء في صفة شراب أهل النار . وأخرجه الطبري ( التفسير25/132 )عن أبي كريب ، عن رشدين به . ورشدين قد تكلم فيه-كما قال الترمذي عقب هذا الحديث- لكن تابعه عبد الله بن وهب ، أخرجه الحاكم ( المستدرك2/501 ) من طريق هارون بن معروف ، عن ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث به ، وزاد فيه : ( ولو أن دلوا من غسلين يهراق في الدنيا لأنتن بأهل الدنيا ) ، قال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه . ووافقه الذهبي . وله طريق أخرى عن دراج ، أخرجه الإمام أحمد( المسند3/70-71 )عن حسن عن ابن لهيعة ، عن دراج بمثل لفظ الترمذي ، والحديث بهذا الإسناد حسن إن شاء الله ، حيث قال الحافظ ابن حجر عن دراج صدوق في حديثه عن أبي الهيثم . ( التقريب1/235 ) . ويشهد له ما يلي :

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله { كالمهل } ، قال : يقول : أسود كهيئة الزيت .

أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد { مرتفقا } : أي مجتمعا .