ثم بين أن الحق ما هو ومن أين هو قائلاً { وقل الحق من ربكم } أي الدين الحق حصل ووجد من عند الله ، ويحتمل أن يراد بالحق الصبر مع الفقراء . وقال في الكشاف : الحق خبر مبتدأ محذوف والمعنى جاء الحق وزاحت العلل فلم يبق إلا اختيار الإيمان أو الكفر ، وفيه دليل على أن الإيمان والكفر والطاعة والمعصية كلها مفوّضة إلى مشيئة العبد واختياره . وحمله الأشاعرة على أمر التهديد وقالوا : إن الفعل الاختياري يمتنع حصوله بدون القصد إليه ، ثم ذلك القصد لا بد أن يقع بالاختيار والقصد فنقل الكلام إليه ولا يتسلسل فلا بد أن ينتهي إلى قصد واختيار يخلقه الله فيه . فالإنسان مضطر في صورة مختار وفي صورة هذا التخيير دلالة على أنه سبحانه لا ينتفع بإيمان المؤمنين ولا يستضر بكفر الكافرين . ثم بين وعيد الظالمين الذين وضعوا الكفر موضع الإيمان وتحقير المؤمنين لأجل فقرهم مكان تعظيمهم لأجل إيمانهم فقال : { إنا أعتدنا } أي أعددنا وهيأنا { للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها } وهو الحجرة التي تكون حول الفسطاط فأثبت تعالى للنار شيئاً شبيهاً بذلك يحيط بهم من جميع الجهات ، والمراد أنه لا مخلص لهم منها ولا فرج . وقيل : هو حائط من نار يطبق بهم . وقيل : هو دخان محيط بالكفار قبل دخولهم النار وهو المراد بقوله { انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب } [ المرسلات : 30 ] وقوله : { يغاثوا بماء } وارد على سبيل التهكم كقولهم " عتابك السيف " . والمهل كل ما أذيب من المعدنيات كالذهب والفضة والنحاس قاله أبو عبيدة والأخفش . وقيل في حديث مرفوع إنه درديّ الزيت . وقيل : الصديد والقيح أو ضرب من القطران . وهذه الاستغاثة إما لطلب الشراب كقوله : { تسقى في عين آنية } [ الغاشية : 5 ] وإما لدفع الحر ولأجل التبريد كقوله حكاية عنهم { أفيضوا علينا من الماء } [ الأعراف : 50 ] ويروى أنهم إذا استغاثوا من حر جهنم صب عليهم القطران الذي يعم كل أبدانهم كالقميص ، وقد يفسر بهذا قوله : { سرابليهم من قطران } [ إبراهيم : 50 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم " هو - يعني المهل - كعكر الزيت إذا قرب إليه سقطت فروة وجهه " وهذا معنى قوله : { يشوي الوجوه بئس الشراب } ذلك لأن المقصود من الشراب إراحة الأحشاء وهذا يحرقها ويشويها { وساءت } أي النار { مرتفقاً } متكئاً لأهلها ومنه المرفق لأنه يتكأ عليه . قال جار الله : هذا لمشاكلة قوله في أهل الجنة { وحسنت مرتفقاً } وإلا فلا ارتفاق لأهل النار إلا أن يقال : معنى ارتفق أنه نصب مرفقه ودعم به خده كعادة المغتمين . وقال قائلون : إن الشياطين رفقاء أهل النار من الإنس والمعنى ساءت النار مجتمعاً لأولئك الرفقاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.