غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّـٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ وَإِن يَسۡتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٖ كَٱلۡمُهۡلِ يَشۡوِي ٱلۡوُجُوهَۚ بِئۡسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتۡ مُرۡتَفَقًا} (29)

27

ثم بين أن الحق ما هو ومن أين هو قائلاً { وقل الحق من ربكم } أي الدين الحق حصل ووجد من عند الله ، ويحتمل أن يراد بالحق الصبر مع الفقراء . وقال في الكشاف : الحق خبر مبتدأ محذوف والمعنى جاء الحق وزاحت العلل فلم يبق إلا اختيار الإيمان أو الكفر ، وفيه دليل على أن الإيمان والكفر والطاعة والمعصية كلها مفوّضة إلى مشيئة العبد واختياره . وحمله الأشاعرة على أمر التهديد وقالوا : إن الفعل الاختياري يمتنع حصوله بدون القصد إليه ، ثم ذلك القصد لا بد أن يقع بالاختيار والقصد فنقل الكلام إليه ولا يتسلسل فلا بد أن ينتهي إلى قصد واختيار يخلقه الله فيه . فالإنسان مضطر في صورة مختار وفي صورة هذا التخيير دلالة على أنه سبحانه لا ينتفع بإيمان المؤمنين ولا يستضر بكفر الكافرين . ثم بين وعيد الظالمين الذين وضعوا الكفر موضع الإيمان وتحقير المؤمنين لأجل فقرهم مكان تعظيمهم لأجل إيمانهم فقال : { إنا أعتدنا } أي أعددنا وهيأنا { للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها } وهو الحجرة التي تكون حول الفسطاط فأثبت تعالى للنار شيئاً شبيهاً بذلك يحيط بهم من جميع الجهات ، والمراد أنه لا مخلص لهم منها ولا فرج . وقيل : هو حائط من نار يطبق بهم . وقيل : هو دخان محيط بالكفار قبل دخولهم النار وهو المراد بقوله { انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب } [ المرسلات : 30 ] وقوله : { يغاثوا بماء } وارد على سبيل التهكم كقولهم " عتابك السيف " . والمهل كل ما أذيب من المعدنيات كالذهب والفضة والنحاس قاله أبو عبيدة والأخفش . وقيل في حديث مرفوع إنه درديّ الزيت . وقيل : الصديد والقيح أو ضرب من القطران . وهذه الاستغاثة إما لطلب الشراب كقوله : { تسقى في عين آنية } [ الغاشية : 5 ] وإما لدفع الحر ولأجل التبريد كقوله حكاية عنهم { أفيضوا علينا من الماء } [ الأعراف : 50 ] ويروى أنهم إذا استغاثوا من حر جهنم صب عليهم القطران الذي يعم كل أبدانهم كالقميص ، وقد يفسر بهذا قوله : { سرابليهم من قطران } [ إبراهيم : 50 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم " هو - يعني المهل - كعكر الزيت إذا قرب إليه سقطت فروة وجهه " وهذا معنى قوله : { يشوي الوجوه بئس الشراب } ذلك لأن المقصود من الشراب إراحة الأحشاء وهذا يحرقها ويشويها { وساءت } أي النار { مرتفقاً } متكئاً لأهلها ومنه المرفق لأنه يتكأ عليه . قال جار الله : هذا لمشاكلة قوله في أهل الجنة { وحسنت مرتفقاً } وإلا فلا ارتفاق لأهل النار إلا أن يقال : معنى ارتفق أنه نصب مرفقه ودعم به خده كعادة المغتمين . وقال قائلون : إن الشياطين رفقاء أهل النار من الإنس والمعنى ساءت النار مجتمعاً لأولئك الرفقاء .

/خ46