الآية29 : وقوله تعالى : { وقل الحق من ربكم } كأنه على الإضمار ، أي قل قد جئتكم بالحق من ربكم . أو يقول : قل لهم : قد تعلمون أني قد جئتكم من الآيات والحجج على ما أدعوكم إليه ما لا تحتمل بُنْيَتِي{[11562]} ، ويخرج عن وسعي وطاقتي .
وقوله تعالى : { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } يحتمل{[11563]} هذا وجوها :
أحدها : { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } إنما يعمل لنفسه ، ليس يعمل لأحد سواه ، كقوله{[11564]} : { من عمل صالحا فلنفسه وما أساء فعليها } ( فصلت : 46 ) وقوله : /316- ب/{ إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم } الآية ( الإسراء : 7 ) فعلى ذلك يقول ، والله أعلم .
والثاني : يقول إني بلغت الرسالة إليكم ، فلا أكرهكم أنا على الإسلام ، ولا أحد سواي { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } ( فمن آمن فإنما ){[11565]} يؤمن باختياره ومشيئته . ومن كفر فإنما يكفر باختياره ومشيئته لا يكره على ذلك .
والثالث : أن الإيمان والكفر قد بين الله لهما العواقب : ( عاقبة من اختار الإيمان ؟ و ){[11566]} عاقبة من اختار الكفر ؟ وهو ما قال : { إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها } إلى آخر ما ذكر .
وقال للمؤمنين : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجرمن أحسن عملا }{ أولئك لهم جنات عدن } الآية ( الكهف : 30و31 ) يقول : قد بين لكل واحد منهما عاقبته . فمن شاء اكتسب لنفسه في العاقبة الجنان وما فيها من النعيم ، ومن شاء اكتسب ما ذكر في العاقبة من النار وأنواع العذاب . فذلك كله يُخَّرَجُ على الوعيد .
وقوله تعالى : { إنا أعتدنا للظالمين } وقد دخولهم النار{ نارا } وهو في الآخرة .
وقوله تعالى : { أحاط بهم سرادقا } يحتمل هذا وجهين :
أحدهما : على إرادة حقيقة السرادق .
والثاني : على التمثيل ، أي تحيط بهم النار فلا يقدرون على الخروج منها على ما يمنع السرادق من الخروج في الدنيا ودفع الحر والبرد .
فإن كان على حقيقة السرادق فهو والله أعلم ، على ما جعل الله لهم من أنواع ما كونوا يتفاخرون في الدنيا به من اللباس والطعام والشراب وغير ذلك يجعل لهم ( الطعام ){[11567]} في الآخرة من ذلك النوع من النار ، وهو ما ذكر{ سرابيلهم من قطران } ( إبراهيم : 50 ) وما قال : { ليس لهم طعاما إلا من ضريع } ( الغاشية : 6 ) والشراب ما ذكر{ من ماء صديد } جعل لهم في الآخرة من ذلك النوع من النار ، وبه يعاقبهم . فعلى ذلك جائز أن يكونوا يتفاخرون به في الدنيا بالسرادق ، إذا خرجوا في السفر ، فيعاقبهم الله في النار بذلك ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل } تحتمل استغاثتهم{[11568]} ما ذكر في الآية { أن أفيضوا علينا من الماء } ( الأعراف : 50 ) فَيُغَاثون{ بماء كالمهل } وتحتمل أن يطلبوا في النار الماء بعد ما طعموا فيها منها . فيغاثون بالمُهْلِ .
ثم المُهْلِ : قال عامتهم : المُهْلُ هو دُرْدِيُّ الزيت أو العكر{[11569]} . لكنهم اختلفوا في معنى التشبيه به : قال بعضهم : شبهه به لغلظه ، لأن الشيء الغليظ يكون ألصق وآخذ من غيره . وقال بعضهم : شبَّهَهُ به لسواده .
وقال الحسن وأبو بكر : تشبيهه به لكثرة تلونه من الحمرة والصفرة و السواد ونحوه لشدته ، وهو ما ذكر : { يوم تكون السماء كالمهل } ( المعارج : 8 ) لتلونه لشدة ذلك اليوم وهوله .
وقوله تعالى : { يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا } أي ساءت النار مرتفقا . اختلف فيه : قال بعضهم : المجتمع ، أي بئس الاجتماع . وقال بعضهم : مجلسا . وقال بعضهم : بئس المنزل النار ، قرناؤهم فيها كفار والشياطين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.