تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّـٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ وَإِن يَسۡتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٖ كَٱلۡمُهۡلِ يَشۡوِي ٱلۡوُجُوهَۚ بِئۡسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتۡ مُرۡتَفَقًا} (29)

الآية29 : وقوله تعالى : { وقل الحق من ربكم } كأنه على الإضمار ، أي قل قد جئتكم بالحق من ربكم . أو يقول : قل لهم : قد تعلمون أني قد جئتكم من الآيات والحجج على ما أدعوكم إليه ما لا تحتمل بُنْيَتِي{[11562]} ، ويخرج عن وسعي وطاقتي .

وقوله تعالى : { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } يحتمل{[11563]} هذا وجوها :

أحدها : { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } إنما يعمل لنفسه ، ليس يعمل لأحد سواه ، كقوله{[11564]} : { من عمل صالحا فلنفسه وما أساء فعليها } ( فصلت : 46 ) وقوله : /316- ب/{ إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم } الآية ( الإسراء : 7 ) فعلى ذلك يقول ، والله أعلم .

والثاني : يقول إني بلغت الرسالة إليكم ، فلا أكرهكم أنا على الإسلام ، ولا أحد سواي { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } ( فمن آمن فإنما ){[11565]} يؤمن باختياره ومشيئته . ومن كفر فإنما يكفر باختياره ومشيئته لا يكره على ذلك .

والثالث : أن الإيمان والكفر قد بين الله لهما العواقب : ( عاقبة من اختار الإيمان ؟ و ){[11566]} عاقبة من اختار الكفر ؟ وهو ما قال : { إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها } إلى آخر ما ذكر .

وقال للمؤمنين : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجرمن أحسن عملا }{ أولئك لهم جنات عدن } الآية ( الكهف : 30و31 ) يقول : قد بين لكل واحد منهما عاقبته . فمن شاء اكتسب لنفسه في العاقبة الجنان وما فيها من النعيم ، ومن شاء اكتسب ما ذكر في العاقبة من النار وأنواع العذاب . فذلك كله يُخَّرَجُ على الوعيد .

وقوله تعالى : { إنا أعتدنا للظالمين } وقد دخولهم النار{ نارا } وهو في الآخرة .

وقوله تعالى : { أحاط بهم سرادقا } يحتمل هذا وجهين :

أحدهما : على إرادة حقيقة السرادق .

والثاني : على التمثيل ، أي تحيط بهم النار فلا يقدرون على الخروج منها على ما يمنع السرادق من الخروج في الدنيا ودفع الحر والبرد .

فإن كان على حقيقة السرادق فهو والله أعلم ، على ما جعل الله لهم من أنواع ما كونوا يتفاخرون في الدنيا به من اللباس والطعام والشراب وغير ذلك يجعل لهم ( الطعام ){[11567]} في الآخرة من ذلك النوع من النار ، وهو ما ذكر{ سرابيلهم من قطران } ( إبراهيم : 50 ) وما قال : { ليس لهم طعاما إلا من ضريع } ( الغاشية : 6 ) والشراب ما ذكر{ من ماء صديد } جعل لهم في الآخرة من ذلك النوع من النار ، وبه يعاقبهم . فعلى ذلك جائز أن يكونوا يتفاخرون به في الدنيا بالسرادق ، إذا خرجوا في السفر ، فيعاقبهم الله في النار بذلك ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل } تحتمل استغاثتهم{[11568]} ما ذكر في الآية { أن أفيضوا علينا من الماء } ( الأعراف : 50 ) فَيُغَاثون{ بماء كالمهل } وتحتمل أن يطلبوا في النار الماء بعد ما طعموا فيها منها . فيغاثون بالمُهْلِ .

ثم المُهْلِ : قال عامتهم : المُهْلُ هو دُرْدِيُّ الزيت أو العكر{[11569]} . لكنهم اختلفوا في معنى التشبيه به : قال بعضهم : شبهه به لغلظه ، لأن الشيء الغليظ يكون ألصق وآخذ من غيره . وقال بعضهم : شبَّهَهُ به لسواده .

وقال الحسن وأبو بكر : تشبيهه به لكثرة تلونه من الحمرة والصفرة و السواد ونحوه لشدته ، وهو ما ذكر : { يوم تكون السماء كالمهل } ( المعارج : 8 ) لتلونه لشدة ذلك اليوم وهوله .

وقوله تعالى : { يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا } أي ساءت النار مرتفقا . اختلف فيه : قال بعضهم : المجتمع ، أي بئس الاجتماع . وقال بعضهم : مجلسا . وقال بعضهم : بئس المنزل النار ، قرناؤهم فيها كفار والشياطين .


[11562]:في الأصل و.م: بليتي.
[11563]:أدرج قبلها في الأصل و.م: ثم.
[11564]:من م، في الأصل: بقوله.
[11565]:في الأصل و.م: إنما.
[11566]:ساقطة من الأصل و.م.
[11567]:ساقطة من الأصل و.م.
[11568]:أدرج بعدها في الأصل و.م: هو.
[11569]:في الأصل و م: العصير.