مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّـٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ وَإِن يَسۡتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٖ كَٱلۡمُهۡلِ يَشۡوِي ٱلۡوُجُوهَۚ بِئۡسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتۡ مُرۡتَفَقًا} (29)

{ وَقُلِ الحق مِن رَّبّكُمْ } أي الإسلام أو القرآن ، و { الحق } خبر مبتدأ محذوف أي هو { فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ } أي جاء الحق وزاحت العلل فلم يبق إلا اختياركم لأنفسكم ما شئتم من الأخذ في طريق النجاة أو في طريق الهلاك . وجيء بلفظ الأمر والتخيير لأنه لما مكن من اختيار أيهما شاء فكأنه مخير مأمور بأن يتخير ماشاء من النجدين . ثم ذكر جزاء من اختار الكفر فقال : { إِنَّا أَعْتَدْنَا } هيأنا { للظالمين } للكافرين فقيد بالسياق كما تركت حقيقة الأمر والتخيير بالسياق وهو قوله { إنا أعتدنا للظالمين } { نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا } شبه ما يحيط بهم من النار بالسرادق وهي الحجرة التي تكون حول الفسطاط ، أو هو دخان يحيط بالكفار قبل دخولهم النار ، أو هو حائط من نار يطيف بهم { وَإِن يَسْتَغِيثُواْ } من العطش { يُغَاثُواْ بِمَاء كالمهل } هو دردى الزيت أو ما أذيب من جواهر الأرض وفيه تهكم بهم { يَشْوِى الوجوه } إذا قدم ليشرب انشوى الوجوه من حرارته { بِئْسَ الشراب } ذلك { وَسَاءتْ } النار { مُرْتَفَقًا } متكأ من الرفق وهذه لمشاكلة قوله : { وحسنت مرتفقا } وإلا فلا ارتفاق لأهل النار .