قوله : { وقل الحق من ربكم } [ 29 ] إلى قوله : { مرتفقا } [ 30 ] .
المعنى : أن الله جل ذكره أمر نبيه عليه السلام أن يقول لمن تقدم ذكره في قوله { ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه } [ 28 ] الحق من ربكم أي الهدى والتوفيق والخذلان من عند الله يهدي من يشاء فيوفقه فيؤمن ، ويضل من يشاء فيخذله فيكفر ، وليس إلي من ذلك شيء ، ولست بطارد لهواكم من وفقه الله [ عز وجل ] {[42644]} فآمن ، فإن شئتم فاكفروا وإن شئتم فآمنوا . فإن كفرتم فقد أعد لكم [ ربكم {[42645]} ] نارا أحاط [ بهم ] {[42646]} سرادقها {[42647]} .
وقوله { فليومن } و { فليكفر } لفظه الأمر ومعناه التهدد والوعيد . ومثله { تمتعوا في داركم {[42648]} } وقوله : { وليتمتعوا {[42649]} } وشبهه كثير {[42650]} .
والأمر من الله [ عز وجل {[42651]} ] على أقسام : فمنه ما معناه الإيجاب والإلزام نحو { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا {[42652]} } الآية ، وشبهه . فهذا لا بد من فعله ويأثم من تركه ، ويكفر إن عاند في تركه .
ومنه ما معناه التأديب والإرشاد نحو قوله : { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم {[42653]} وقوله : { وأشهدوا إذا تبايعتم {[42654]} } {[42655]} وفيه اختلاف . فهذا لا يخرج المأمور بتركه إلى إثم . وإن تأدب به وعمله فقد أحسن ، إذ قد اتبع ما ندبه الله [ عز وجل ] {[42656]} إليه .
ومنه ما معناه الاباحة [ والاطلاق نحو قوله : { وإذا حللتم فاصطادوا {[42657]} } {[42658]} وقوله : ] {[42659]} { فانتشروا في الأرض {[42660]} } { فإذا تطهرن فاتوهن من حيث أمركم الله {[42661]} } فهذا إن شاء [ فعله ، وإن شاء ] {[42662]} لم يفعله ، ولا يشكر على فعله ، ولا يندم على تركه .
ومنها معناه الحتم والتكوين والإحداث نحو قوله : { كونوا قردة خاسئين } {[42663]} وقوله : { كن فيكون {[42664]} } فهذا تكوين وإحداث . ويوجد {[42665]} المأمور مع الأمر ولا يتقدم ولا يتأخر {[42666]} .
وكل أوامر النبي [ صلى الله عليه وسلم ] على هذه الأقسام تأتي إلا التكوين والإحداث فليس يكون إلا لله {[42667]} عز وجل ، غير أنه قد يكون ذلك على أيدي أنبيائه دلالة على صدقهم . كقول نبيا صلى الله عليه وسلم لشجرة دعاها : " أقبلي " فأقبلت تجري عروقها وأغصانها حتى وقفت بين يديه ، ثم قال : لها : " ارجعي " فرجعت إلى مكانها ، وشبهه كثير . وهذه الأوامر إنما يميز الواجب منها [ من غيره ] {[42668]} بالبراهين {[42669]} والدلائل {[42670]} والتوفيق لا غير .
وقوله : { أحاط بهم سرادقها } [ 29 ] .
قال : ابن زيد : هو حائط من نار يحيط بهم كسرادق الفسطاط ، وقاله ابن عباس {[42671]} . وقال : معمر : هو دخان يحيط بالكفار يوم القيامة وهو الذي قال : الله : [ عز وجل ] {[42672]} { انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب {[42673]} } {[42674]} .
وقيل هو البحر المحيط الذي في الدنيا ، أي : أحاط بهم سرادق الدنيا أي : بحرها المحيط .
وقد روي عن النبي عليه السلام أنه قال : " البحر هو جنهم وتلا هذه الآية . وقال : لا أدخله أبدا وما دمت حيا ، ولا تصيبني {[42675]} منه قطرة {[42676]} فيكون معناها أحاط بهم أي عمهم .
وروى [ عنه ] {[42677]} أبو سعيد الخدري أنه قال : " سرادق النار أربع جدر ، كتف كل واحد منها مسيرة أربعين سنة " {[42678]} .
ثم قال : { وإن يستغيثو } [ 29 ] .
أي إن يستغيثوا من العطش يغاثوا بماء كالمهل أي " كعكر الزيت . فإذا قربه من فمه {[42679]} سقطت فروة وجهه فيه " كذا رواه الخدري عن النبي عليه السلام {[42680]} .
وعن ابن مسعود : أن المهل هو كفضة وذهب أذيبا واختلطا {[42681]} . وقال : مجاهد : " كالمهل " كالقيح والدم الأسود إذا اختلطا {[42682]} . وقال : ابن عباس : المهل ماء غليظ مثل دردي {[42683]} الزيت {[42684]} .
وقال : الضحاك : المهل ماء جهنم {[42685]} أسود ، وهي سوداء ، وشجرها أسود وأهلها سود {[42686]} . وقال : ابن جبير : المهل الذي قد انتهى حره {[42687]} . وقيل : المهل عكر القطران {[42688]} .
وعن النبي عليه السلام أنه قال : " المهل صديد أهل جهنم إذا دني {[42689]} منه شوى {[42690]} وجهه ووقعت فروة رأسه ولحم وجهه من حره " {[42691]} .
والمهل عند أهل اللغة : كل شيء أذبته من رصاص أو نحاس ونحوه {[42692]} .
ثم قال : { يشوي الوجوه } [ 29 ] .
وقال : ابن جبير : إذا جاع أهل النار استغاثوا بشجرة الزقوم فيأكلون منها فاختلست جلودهم ووجوههم . فلو أن مارا بهم يعرفهم {[42693]} لعرف جلود وجوههم . فيتضاعف عليهم العطش فيستغيثون فيغاثون بماء كالمهل . فإذا أدنوه من أفواههم انشوى {[42694]} من حره لحوم/وجوههم التي قد سقطت عنها الجلود {[42695]} .
وقوله : { بئس الشراب } [ 29 ] .
أي بئس الشراب هذا الذي يغاث به هؤلاء القوم {[42696]} .
وقوله : { و {[42697]} ساءت مرتفقا } [ 29 ] .
أي ساءت هذه النار {[42698]} التي أعدت لهؤلاء الظالمين : { مرتفقا } أي متكئا {[42699]} .
والمرتفق في كلام العرب المتكا . يقال : ارتفقت أي : اتكأت . . . وقال : مجاهد {[42700]} " مرتفقا " مجتمعا {[42701]} " وهو مفتعل من الرفق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.