تحدثت السورة عن بعض أحكام الطلاق ، وعن العدة ، وأنواعها ، وأحكامها : من بقاء المعتدة في مسكنها الذي طلقت فيه ، ومن وجوب الإنفاق عليها ، وإسكانها . وفي ثنايا هذه الأحكام كما هي سنة القرآن وعد لمن امتثل أوامر الله ، ووعيد لمن تعدى حدوده ، ثم أشارت إلى عاقبة المتكبرين عن امتثال أوامر الله ورسله . وختمت السورة بحث المؤمنين على تقوى الله ، وتذكيرهم بنعمة إرسال رسول يتلو عليهم آيات الله ليخرجهم من الظلمات إلى النور ، وبقدرته في خلق سبع سماوات ، ومن الأرض مثلهن .
1- يا أيها النبي إذا أردتم أن تُطلِّقوا النساء فطلّقوهن مستقبلاً لعدتهن ، واضبطوا العدة ، واتقوا الله ربكم . لا تخرجوا المطلقات من مساكنهن التي طلقن فيها ، ولا يخرجن منها إلا أن يفعلن فعلة منكرة واضحة ، تلك الأحكام المتقدمة معالم الله ، شرعها لعباده ، ومن يُجاوز حدود الله فقد ظلم نفسه . لا تدرى لعل الله يوجد بعد ذلك الطلاق أمراً لا تتوقعه ، فيتحابان .
خُوطب النبي صلى الله عليه وسلم أولا تشريفًا وتكريما ، ثم خاطب الأمة تبعًا فقال : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ }
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن ثواب بن سعيد الهباري ، حدثنا أسباط بن محمد ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أنس قال : طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة ، فأتت أهلها ، فأنزل الله ، عز وجل : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } فقيل له : راجعها فإنها صوامة قوامة ، وهي من أزواجك ونسائك في الجنة .
ورواه ابن جرير ، عن ابن بشار ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد ، عن قتادة . . . فذكره مرسلا {[28942]} وقد ورد من غير وجه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها .
وقال البخاري : حدثنا يحيى بن بُكَيْر ، حدثنا الليث وعقيل ، عن ابن شهاب ، أخبرني سالم : أن عبد الله بن عمر أخبره : أنه طلق امرأة له وهي حائض ، فذكر عمرُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : " ليراجعها ، ثم يمسكها حتى تطهر ، ثم تحيض فتطهر ، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرًا قبل أن يمسها ، فتلك العدة التي أمر الله ، عز وجل " {[28943]}
هكذا رواه البخاري هاهنا وقد رواه في مواضع من كتابه ، ومسلم ، ولفظه : " فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء " {[28944]}
ورواه أصحاب الكتب والمسانيد من طرق متعددة وألفاظ كثيرة{[28945]} ومواضع استقصائها كتب الأحكام .
وأمَسُّ لفظ يورَد ها هنا ما رواه مسلم في صحيحه ، من طريق ابن جُرَيْج : أخبرني أبو الزبير : أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن - مولى عَزة يسأل ابن عمر - وأبو الزبير يسمع ذلك : كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضًا ؟ فقال : طَلَّق ابن عمر امرأته حائضا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليراجعها " فَردَّها ، وقال : " إذا طهرت فليطلق أو يمسك " . قال ابن عمر : وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } {[28946]} .
وقال الأعمش ، عن مالك بن الحارث ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن عبد الله في قوله : { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } قال : الطهر من غير جماع{[28947]} وروي عن ابن عمر وعطاء ، ومجاهد ، والحسن ، وابن سيرين ، وقتادة ، وميمون بن مِهْران ، ومقاتل بن حيان مثل ذلك ، وهو رواية عن عكرمة ، والضحاك .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله تعالى : { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } قال : لا يطلقها وهي حائض ولا في طهر قد جامعها فيه ، ولكن : تتركها حتى إذا حاضت وطهرت طلقها تطليقة .
وقال عكرمة : { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } العدة : الطهر ، والقرء الحيضة ، أن يطلقها حبلى مستبينا حملها ، ولا يطلقها وقد طاف عليها ، ولا يدري حبلى هي أم لا .
ومن ها هنا أخذ الفقهاء أحكام الطلاق وقسموه إلى طلاق سنة وطلاق بدعة ، فطلاق السنة : أن يطلقها طاهرًا من غير جماع ، أو حاملا قد استبان حملها . والبدعي : هو أن يطلقها في حال الحيض ، أو في طهر قد جامعها فيه ، ولا يدري أحملت أم لا ؟ وطلاق ثالث لا سنة فيه ولا بدعة ، وهو طلاق الصغيرة والآيسة ، وغير المدخول بها ، وتحرير الكلام في ذلك وما يتعلق به مستقصى في كتب الفروع ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
وقوله { وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ } أي : احفظوها واعرفوا ابتداءها وانتهاءها ؛ لئلا تطول العدة على المرأة فتمتنع من الأزواج . { وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ } أي : في ذلك .
وقوله : { لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ } أي : في مدة العدة لها حق السكنى على الزوج ما دامت معتدة منه ، فليس للرجل أن يخرجها ، ولا يجوز لها أيضا الخروج لأنها معتقلة{[28948]} لحق الزوج أيضًا .
وقوله : { إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } أي : لا يخرجن من بيوتهن إلا أن ترتكب المرأة فاحشة مبينة ، فتخرج من المنزل ، والفاحشة المبينة تشمل الزنا ، كما قاله ابن مسعود ، وابن عباس ، وسعيد بن المُسَيَّب ، والشعبي ، والحسن ، وابن سيرين ، ومجاهد ، وعِكْرمة ، وسعيد بن جبير ، وأبو قِلابة ، وأبو صالح ، والضحاك ، وزيد بن أسلم ، وعطاء الخراساني ، والسُّدِّي ، وسعيد بن أبي هلال ، وغيرهم وتشمل ما ذا{[28949]} نشزَت المرأة أو بَذَت على أهل الرجل وآذتهم في الكلام والفعال ، كما قاله أبي بن كعب ، وابن عباس ، وعكرمة ، وغيرهم .
وقوله : { وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ } أي : شرائعه ومحارمه { وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ } أي : يخرج عنها ويتجاوزها إلى غيرها ولا يأتمر بها { فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } أي : بفعل ذلك .
وقوله : { لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } أي : إنما أبقينا المطلقة في منزل الزوج في مدة العدة ، لعل الزوج يندم على طلاقها ويخلق الله في قلبه رَجْعَتَها ، فيكون ذلك أيسر وأسهل .
قال الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن فاطمة بنت قيس في قوله : { لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } قال : هي الرجعة . وكذا قال الشعبي ، وعطاء ، وقتادة ، والضحاك ، ومقاتل ابن حيان ، والثوري . ومن هاهنا ذهب من ذهب من السلف ومن تابعهم ، كالإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله تعالى إلى أنه لا تجب السكنى للمبتوتة ، وكذا المتوفى عنها زوجها ، واعتمدوا أيضًا على حديث فاطمة بنت قيس الفهرية ، حين طلقها زوجها أبو عمرو بن حفص آخر ثلاث تطليقات ، وكان غائبًا عنها باليمن ، فأرسل إليها بذلك ، فأرسل إليها وكيله بشعير - [ يعني ]{[28950]} نفقة - فَتَسَخَّطته فقال : والله ليس لك علينا نفقة . فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " ليس لك عليه نفقة " . ولمسلم : ولا سكنى ، وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ، ثم قال : " تلك امرأة يغشاها أصحابي ، اعتدي عند ابن أم مكتوم ، فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك " الحديث{[28951]}
وقد رواه الإمام أحمد من طريق أخرى بلفظ آخر ، فقال :
حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا مجالد ، حدثنا عامر قال : قدمت المدينة فأتيت فاطمة بنت قيس ، فحدثتني أن زوجها طلقها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سَرية . قالت : فقال لي أخوه : اخرجي من الدار . فقلت : إن لي نفقة وسكنى حتى يحل الأجل . قال : لا . قالت : فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : إن فلانا طلقني ، وأن أخاه أخرجني ومنعني السكنى والنفقة ، [ فأرسل إليه ]{[28952]} فقال : " ما لك ولابنة آل قيس " ، قال : يا رسول الله ، إن أخي طلقها ثلاثا جميعًا . قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " انظري يا بنت آل قيس ، إنما النفقة والسكنى للمرأة على زوجها ما كان له عليها رجعة ، فإذا لم يكن له عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى . اخرجي فانزلي على فلانة " . ثم قال : " إنه يُتحَدّث إليها ، انزلي على ابن أم مكتوم ، فإنه أعمى لا يراك " وذكر تمام الحديث{[28953]}
وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا أحمد بن عبد الله البزار التُّسْتَريّ ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الصواف ، حدثنا بكر بن بكار ، حدثنا سعيد بن يزيد البجلي ، حدثنا عامر الشعبي : أنه دخل على فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس القرشي ، وزوجها أبو عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي فقالت : إن أبا عمرو بن حفص أرسل إلي وهو منطلق في جيش إلى اليمن بطلاقي ، فسألت أولياءه النفقة علي والسكنى ، فقالوا : ما أرسل إلينا في ذلك شيئًا ، ولا أوصانا به . فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، إن أبا عمرو بن حفص أرسل إلي بطلاقي ، فطلبت السكنى والنفقة علي ، فقال : أولياؤه : لم يرسل إلينا في ذلك بشيء . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها رجعة ، فإذا كانت لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره فلا نفقة لها ولا سكنى " .
وكذا رواه النسائي{[28954]} عن أحمد بن يحيى الصوفي ، عن أبي نعيم الفضل بن دُكَيْن ، عن سعيد بن يزيد وهو الأحمسي البَجَلي الكوفي . قال أبو حاتم الرازي : وهو شيخ ، يروى عنه {[28955]}
الطلاق على الجملة مكروه ، لأنه تبديد شمل في الإسلام ، وروى أبو موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لا تطلقوا النساء إلا من ريبة ، فإن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات »{[11150]} . وروى أنس أنه عليه السلام قال : «ما حلف بالطلاق ولا استحلف به إلا منافق »{[11151]} . واختلف في ندائه النبي . ثم قوله تعالى بعد ذلك : { طلقتم } ، فقال بعض النحويين حكاه الزهراوي ، في ذلك خروج من مخاطبة أفراد إلى مخاطبة جماعة ، وهذا موجود ، وقال آخرون منهم في نداء النبي صلى الله عليه وسلم : أريدت أمته معه ، فلذلك قال : { إذا طلقتم } ، وقال آخرون منهم إن المعنى : { يا أيها النبي } قل لهم { إذا طلقتم } ، وقال آخرون إنه من حيث يقول الرجل العظيم فعلنا وصنعنا خوطب النبي صلى الله عليه وسلم ب { طلقتم } إظهاراً لتعظيمه ، وهذا على نحو قوله تعالى في عبد الله بن أبي : { هم الذين يقولون }{[11152]} [ المنافقون : 7 ] إذا كان قوله مما يقوله جماعة ، فكذلك النبي في هذه ما يخاطب به فهو خطاب الجماعة .
قال القاضي أبو محمد : والذي يظهر لي في هذا أنهما خطابان مفترقان ، خوطب النبي على معنى تنبيهه لسماع القول وتلقي الأمر ثم قيل له : { إذا طلقتم } ، أي أنت وأمتك{[11153]} ، فقوله : { إذا طلقتم } ، ابتداء كلام لو ابتدأ السورة به ، وطلاق النساء : حل عصمتهن وصورة ذلك وتنويعه مما لا يختص بالتفسير ، وقوله تعالى : { فطلقوهن لعدتهن } أي لاستقبال عدتهن وقوامها وتقريبها عليهن ، وقرأ عثمان وابن عباس وأبي بن كعب وجابر بن عبد الله ومجاهد وعلي بن الحسين وزيد بن علي وجعفر بن محمد : «فطلقوهن في قبل عدتهن » ، وروي عن بعضهم وعن ابن عمر { لقبل عدتهن } أي لاستقبالها ، وروى ابن عمر القراءتين عن النبي صلى الله عليه وسلم{[11154]} ، وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه : " لقبل طهرهن " ، ومعنى هذه الآية ، أن لا يطلق أحد امرأته إلا في طهر لم يمسها فيه ، هذا على مذهب مالك وغيره ممن قال : بأن الاقراء الاطهار فيطلق عندهم المطلق في طهر لم يمس فيه وتعتد به المرأة ، ثم تحيض حيضتين تعتد بالطهر الذي بينهما ، ثم يقيم في الطهر الثالث معتدة به ، فإذا رأت أول الحيضة الثالثة حلت ، ومن قال : بأن الإقراء الحيض وهم العراقيون قال : { لعدتهن } ، معناه أن تطلق طاهراً ، فتستقبل ثلاث حيض كوامل ، فإذا رأت الطهر بعد الثالثة حلت ويخف عند هؤلاء مس في طهر الطلاق أو لم يمس ، وكذلك مالك يقول : إن طلق في طهر قد مس فيه معنى الطلاق ، ولا يجوز طلاق الحائض ، لأنها تطول العدة عليها ، وقيل بل ذلك تعبد ولو علل بالتطويل لا ينبغي أن يجوز إذا رضيته ، والأصل في ذلك حديث عبد الله بن عمر قال : طلقت امرأتي وهي حائض ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعمر :«مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم يطلقها إن شاء ، فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء »{[11155]} . وروى حذيفة أنه عليه السلام قال : «طلقوا المرأة في قبل طهرها »{[11156]} ، ثم أمره تعالى بإحصاء العدة لما يلحق ذلك من أحكام الرجعة والسكنى والميراث وغير ذلك{[11157]} .
ثم أخبر تعالى بأنهن أحق بسكنى بيوتهن التي طلقن فيها ، فنهى عن إخراجهن وعن خروجهن{[11158]} ، وسنة ذلك أن لا تبيت المرأة المطلقة " بعيدة " {[11159]} عن بيتها ولا تغيب عنه نهاراً إلا في ضروة ، ومما لا خطب له من جائز التصرف وذلك لحفظ النسب والتحرز بالنساء ، فإن كان البيت ملكاً للزوج أو بكراء منه فهذا حكمه ، فإن كان لها فعليه الكراء ، فإن كان قد أمتعته طول الزوجية ففي لزوم خروج العدة له قولان في المذهب اللزوم رعاية لانفصال مكارمة النكاح ، والسقوط من أجل العدة من سبب النكاح ، واختلف الناس في معنى قوله : { إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } فقال قتادة والحسن ومجاهد : ذلك الزنا فيخرجن للحد ، وهذا قول الشعبي وزيد بن أسلم وحماد والليث ، وقال ابن عباس : ذلك لنداء على الإحماء ، فتخرج ويسقط حقها من السكنى وتلزم الإقامة في مسكن يتخذه حفظاً للنسب . وفي مصحف أبي بن كعب «إلا أن يفحشن عليكم » ، وقال ابن عباس أيضاً الفاحشة جميع المعاصي ، فمن سرقت أو قذفت أو زنت أو أربت في تجارة وغير ذلك فقد سقط حقها في السكنى ، وقال السدي وابن عمر : الفاحشة الخروج عن البيت ، خروج انتقال ، فمتى فعلت ذلك ، فقد سقط حقها في السكنى ، وقال قتادة أيضاً : المعنى { أن يأتين بفاحشة } في نشوز عن الزوج فيطلق بسبب ذلك ، فلا يكون عليه سكنى . وقال بعض الناس الفاحشة متى وردت معرفة فهي الزنا ، ومتى جاءت منكرة فهي المعاصي يراد بها سوء عشرة الزوج ومرة غير ذلك ، وقرأ عاصم : «مبيَّنة » بفتح الياء المشددة{[11160]} تقول : بان الأمر وبينته أنا على تضعيف التعدية ، وقرأ الجمهور : «مبيِّنة » بكسر الياء ، تقول بان الشيء وبين بمعنى واحد ، إلا أن التضعيف للمبالغة ، ومن ذلك قولهم قد بين الصبح لذي عينين وقوله تعالى : { وتلك حدود الله } إشارة إلى جميع أوامره في هذه الآية ، وقوله تعالى : { لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً } ، قال قتادة وغيره : يريد به الرجعة ، أي أحصوا العدة وامتثلوا هذه الأوامر المتفقة لنسائكم الحافظة لأنسابكم ، وطلقوا على السنة تجدوا المخلص إن ندمتم فإنكم لا تدرون لعل الرجعة تكون بعد ، والإحداث في هذه الآية بين التوجه عبارة عما يوجد من التراجع ، وجوز قوم أن يكون المعنى { أمراً } من النسخ ، وفي ذلك بعد .