186- وإني مطلع على العباد ، عليم بما يأتون وما يذرون ، فإذا سألك - يا محمد - عبادي قائلين : هل الله قريب منا بحيث يعلم ما نخفي وما نعلن وما نترك ؟ فقل لهم : إني أقرب إليهم مما يظنون ، ودليل ذلك أن دعوة الداعي تصل في حينها ، وأنا الذي أجيبها في حينها كذلك ، وإذا كنت استجبت لها فليستجيبوا هم لي بالإيمان والطاعة فإن ذلك سبيل إرشادهم وسدادهم .
{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }
هذا جواب سؤال ، سأل النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه فقالوا : يا رسول الله ، أقريب ربنا فنناجيه ، أم بعيد فنناديه ؟ فنزل : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ } لأنه تعالى ، الرقيب الشهيد ، المطلع على السر وأخفى ، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، فهو قريب أيضا من داعيه ، بالإجابة ، ولهذا قال : { أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } والدعاء نوعان : دعاء عبادة ، ودعاء مسألة .
والقرب نوعان : قرب بعلمه من كل خلقه ، وقرب من عابديه وداعيه بالإجابة والمعونة والتوفيق .
فمن دعا ربه بقلب حاضر ، ودعاء مشروع ، ولم يمنع مانع من إجابة الدعاء ، كأكل الحرام ونحوه ، فإن الله قد وعده بالإجابة ، وخصوصا إذا أتى بأسباب إجابة الدعاء ، وهي الاستجابة لله تعالى بالانقياد لأوامره ونواهيه القولية والفعلية ، والإيمان به ، الموجب للاستجابة ، فلهذا قال : { فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } أي : يحصل لهم الرشد الذي هو الهداية للإيمان والأعمال الصالحة ، ويزول عنهم الغي المنافي للإيمان والأعمال الصالحة . ولأن الإيمان بالله والاستجابة لأمره ، سبب لحصول العلم كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا } .
{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }( 186 )
وقوله تعالى : { وإذا سألك عبادي عني } الآية ، قال الحسن بن أبي الحسن : سببها أن قوماً قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه( {[1709]} ) ؟ فنزلت ، وقال عطاء : لما نزلت { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم }( {[1710]} ) [ غافر : 60 ] قال قوم في أي ساعة ندعو ؟ فنزلت { وإذا سألك عبادي عني } ، وقال مجاهد : بل قالوا إلى أين ندعو فنزلت هذه الآية ، وقال قتادة بل قالوا : كيف ندعو ؟ فنزلت { وإذا سألك عبادي } ، روي أن المشركين قالوا لما نزل { فإني قريب } : كيف يكون قريباً وبيننا وبينه على قولك سبع سماوات في غلظ سمك كل واحدة خمسمائة عام وفيما بين كل سماء مثل ذلك ؟ فنزلت : { أجيب دعوة الداعي إذا دعان } أي فإني قريب بالإجابة والقدرة ، وقال قوم : المعنى أجيب إن شئت( {[1711]} ) ، وقال قوم : إن الله تعالى يجيب كل الدعاء : فإما أن تظهر الإجابة في الدنيا ، وإما أن يكفر عنه ، وإما أن يدخر له أجر في الآخرة ، وهذا بحسب حديث الموطأ : «ما من داع يدعو إلا كان بين إحدى ثلاث » ، الحديث( {[1712]} ) ، وهذا إذا كان الدعاء على ما يجب دون اعتداء ، فإن الاعتداء في الدعاء ممنوع ، قال الله تعالى : { ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين }( {[1713]} ) [ الأعراف : 55 ] قال المفسرون : أي في الدعاء .
والوصف بمجاب الدعوة : وصف بحسن النظر والبعد عن الاعتداء ، والتوفيق من الله تعالى إلى الدعاء في مقدور . وانظر أن أفضل البشر المصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم قد دعا أن لا يجعل بأس أمته بينهم ، الحديث( {[1714]} ) ، فمنعها ، إذ كان القدر قد سبق بغير ذلك .
وقوله تعالى : { فليستجيبوا } قال ابو رجاء الخراساني : «معناه فليدعوا لي » .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : المعنى فليطلبوا أن أجيبهم ، وهذا هو باب استفعل ، أي طلب الشيء ، إلا ما شذ ، مثل ، استغنى الله ، وقال مجاهد وغيره : المعنى فليجيبوا لي فيما دعوتهم إليه من الإيمان ، أي بالطاعة والعمل( {[1715]} ) ، ويقال : أجاب واستجاب بمعنى ، ومنه قول الشاعر( {[1716]} ) : [ الطويل ]
وداع يا من يجيب إلى النّدا . . . فلم يستجبه عند ذاك مجيب
أي لم يجبه ، وقوله تعالى : { وليؤمنوا بي } ، قال أبو رجاء : في أني أجيب دعاءهم ، وقال غيره : بل ذلك دعاء إلى الإيمان بجملته( {[1717]} ) . وقرأ الجمهور { يَرشُدون } بفتح الياء وضم الشين . وقرأ قوم بضم الياء وفتح الشين . وروي عن ابن أبي عبلة وأبي حيوة فتح الياء وكسر الشين باختلاف عنهما قرآ هذه القرءة والتي قبلها( {[1718]} ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.