المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ لَّا ذَلُولٞ تُثِيرُ ٱلۡأَرۡضَ وَلَا تَسۡقِي ٱلۡحَرۡثَ مُسَلَّمَةٞ لَّا شِيَةَ فِيهَاۚ قَالُواْ ٱلۡـَٰٔنَ جِئۡتَ بِٱلۡحَقِّۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفۡعَلُونَ} (71)

71- فقال لهم : إن الله يقول إنها بقرة لم تذلل بالعمل في حرث الأرض وقلبها للزراعة ، ولا في سقي الأرض المهيأة للزراعة أو ما فيها من نبات ، وهى بريئة من العيوب ، سالمة من الآفات ، لا لون فيها يخالف سائر جسدها ، فقالوا له : الآن جئت بالبيان الواضح ، وبحثوا عن البقرة المتصفة بهذه الأوصاف فذبحوها ، وقد قاربوا ألا يفعلوا ذلك لكثرة أسئلتهم وطول لجاجهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ لَّا ذَلُولٞ تُثِيرُ ٱلۡأَرۡضَ وَلَا تَسۡقِي ٱلۡحَرۡثَ مُسَلَّمَةٞ لَّا شِيَةَ فِيهَاۚ قَالُواْ ٱلۡـَٰٔنَ جِئۡتَ بِٱلۡحَقِّۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفۡعَلُونَ} (71)

{ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ } أي : مذللة بالعمل ، { تُثِيرُ الْأَرْضَ } بالحراثة { وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ } أي : ليست بساقية ، { مُسَلَّمَةٌ } من العيوب أو من العمل { لَا شِيَةَ فِيهَا } أي : لا لون فيها غير لونها الموصوف المتقدم .

{ قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ } أي : بالبيان الواضح ، وهذا من جهلهم ، وإلا فقد جاءهم بالحق أول مرة ، فلو أنهم اعترضوا أي : بقرة لحصل المقصود ، ولكنهم شددوا بكثرة الأسئلة فشدد الله عليهم ، ولو لم يقولوا " إن شاء الله " لم يهتدوا أيضا إليها ، { فَذَبَحُوهَا } أي : البقرة التي وصفت بتلك الصفات ، { وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } بسبب التعنت الذي جرى منهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ لَّا ذَلُولٞ تُثِيرُ ٱلۡأَرۡضَ وَلَا تَسۡقِي ٱلۡحَرۡثَ مُسَلَّمَةٞ لَّا شِيَةَ فِيهَاۚ قَالُواْ ٱلۡـَٰٔنَ جِئۡتَ بِٱلۡحَقِّۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفۡعَلُونَ} (71)

67

{ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ } أي : إنها ليست مذللة بالحراثة ولا معدة للسقي في السانية ، بل هي مكرمة حسنة صبيحة { مُسَلَّمَةٌ } صحيحة لا عيب فيها { لا شِيَةَ فِيهَا } أي : ليس فيها لون غير لونها .

وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة { مُسَلَّمَةٌ } يقول : لا عيب فيها ، وكذا قال أبو العالية والربيع ، وقال مجاهد { مُسَلَّمَةٌ } من الشية .

وقال عطاء الخراساني : { مُسَلَّمَةٌ } القوائم والخلق { لا شِيَةَ فِيهَا } قال مجاهد : لا بياض ولا سواد . وقال أبو العالية والربيع ، والحسن وقتادة : ليس فيها بياض . وقال عطاء الخراساني : { لا شِيَةَ فِيهَا } قال : لونها واحد بهيم . وروي عن عطية العوفي ، ووهب بن منبه ، وإسماعيل بن أبي خالد ، نحو ذلك . وقال السدي : { لا شِيَةَ فِيهَا } من بياض ولا سواد ولا حمرة ، وكل هذه الأقوال متقاربة [ في المعنى ، وقد زعم بعضهم أن المعنى في ذلك قوله تعالى : { إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ } ليست بمذللة بالعمل ثم استأنف فقال : { تُثِيرُ الأرْضَ } أي : يعمل عليها بالحراثة لكنها لا تسقي الحرث ، وهذا ضعيف ؛ لأنه فسر الذلول التي لم تذلل بالعمل بأنها لا تثير الأرض ولا تسقي الحرث كذا قرره القرطبي وغيره ]{[1990]}

{ قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ } قال قتادة : الآن بَيَّنْتَ لنا ، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : وقبل ذلك - والله{[1991]} - قد جاءهم الحق .

{ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } قال الضحاك ، عن ابن عباس : كادوا ألا يفعلوا ، ولم يكن ذلك الذي أرادوا ، لأنهم أرادوا ألا يذبحوها .

يعني أنَّهم مع هذا البيان{[1992]} وهذه الأسئلة ، والأجوبة ، والإيضاح ما ذبحوها إلا بعد الجهد ، وفي هذا ذم لهم ، وذلك أنه لم يكن غرضهم إلا التعنت ، فلهذا ما كادوا يذبحونها .

وقال محمد بن كعب ، ومحمد بن قيس : { فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } لكثرة ثمنها .

وفي هذا نظر ؛ لأن كثرة ثمنها لم يثبت إلا من نقل بني إسرائيل ، كما تقدم من حكاية أبي العالية والسدي ، ورواه العوفي عن ابن عباس . وقال عبيدة ، ومجاهد ، ووهب بن منبه ، وأبو العالية ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : إنهم اشتروها بمال كثير{[1993]} وفيه اختلاف ، ثم قد قيل في ثمنها غير ذلك . وقال عبد الرزاق : أنبأنا ابن عيينة ، أخبرني محمد بن سوقة ، عن عكرمة ، قال : ما كان ثمنها إلا ثلاثة دنانير{[1994]} هذا إسناد جيد عن عكرمة ، والظاهر أنه نقله عن أهل الكتاب أيضًا .

وقال ابن جرير : وقال آخرون : لم يكادوا أن يفعلوا ذلك خوف الفضيحة ، إن اطلع الله على قاتل القتيل الذي اختصموا فيه .

ولم يسنده عن أحد ، ثم اختار أن الصواب في ذلك أنهم لم يكادوا يفعلوا ذلك لغلاء ثمنها ، وللفضيحة . وفي هذا نظر ، بل الصواب - والله أعلم - ما تقدم من رواية الضحاك ، عن ابن عباس ، على ما وجهناه . وبالله التوفيق .

مسألة : استدل بهذه الآية في حصر صفات هذه البقرة حتى تعينت أو تم تقييدها بعد الإطلاق على صحة السلم في الحيوان كما هو مذهب مالك والأوزاعي والليث والشافعي وأحمد وجمهور العلماء سلفًا وخلفًا بدليل ما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تنعت المرأةُ المرأةَ لزوجها كأنه ينظر إليها " {[1995]} . وكما وصف النبي صلى الله عليه وسلم إبل الدية في قتل الخطأ وشبه العمد بالصفات المذكورة بالحديث ، وقال أبو حنيفة والثوري والكوفيون : لا يصح السلم في الحيوان لأنه لا تنضبط أحواله ، وحكي مثله عن ابن مسعود وحذيفة بن اليمان وعبد الرحمن بن سمرة وغيرهم .


[1990]:زيادة من جـ، ط، ب، أ.
[1991]:في جـ، ط: "والله أعلم".
[1992]:في جـ: "الشأن".
[1993]:في ب: "بثمن كثير".
[1994]:تفسير عبد الرزاق (1/71).
[1995]:صحيح البخاري برقم (5241).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ لَّا ذَلُولٞ تُثِيرُ ٱلۡأَرۡضَ وَلَا تَسۡقِي ٱلۡحَرۡثَ مُسَلَّمَةٞ لَّا شِيَةَ فِيهَاۚ قَالُواْ ٱلۡـَٰٔنَ جِئۡتَ بِٱلۡحَقِّۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفۡعَلُونَ} (71)

{ قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث } أي لم تذلل لكراب الأرض وسقي الحرث ، و{ لا ذلول } صفة لبقرة بمعنى غير ذلول ، ولا الثانية مزيدة لتأكيد الأولى والفعلان صفتا ذلول كأنه قيل : لا ذلول مثيرة وساقية ، وقرئ لا ذلول بالفتح أي حيث هي ، كقولك مررت برجل لا بخيل ولا جبان ، أي حيث هو ، وتسقي من أسقى .

{ مسلمة } سلمها الله تعالى من العيوب ، أو أهلها من العمل ، أو أخلص لونها ، من سلم له كذا إذا خلص له { لا شية فيها } لا لون فيها يخالف لون جلدها ، وهي في الأصل مصدر ، وشاه وشيا وشية إذا خلط بلونه لونا آخر .

{ قالوا الآن جئت بالحق } أي بحقيقة وصف البقرة وحققتها لنا ، وقرئ { الآن } بالمد على الاستفهام ، ولان بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على السلام . { فذبحوها } فيه اختصار ، والتقدير : فحصلوا البقرة المنعوتة فذبحوها .

{ وما كادوا يفعلون } لتطويلهم وكثرة مراجعاتهم ، أو لخوف الفضيحة في ظهور القاتل ، أو لغلاء ثمنها . إذ روي : أن شيخا صالحا منهم كان له عجلة ، فأتى بها الغيضة وقال : اللهم إني استودعتكها لابني حتى يكبر ، فشبت وكانت وحيدة بتلك الصفات ، فساوموها من اليتيم وأمه حتى اشتروها بملء مسكها ذهبا ، وكانت البقرة إذ ذاك بثلاثة دنانير . وكاد من أفعال المقاربة وضع لدنو الخبر حصولا ، فإذا دخل عليه النفي قيل معناه الإثبات مطلقا . وقيل ماضيا ، والصحيح أنه كسائر الأفعال ولا ينافي قوله : { وما كادوا يفعلون } قوله { فذبحوها } لاختلاف وقتيهما ، إذ المعنى أنهم ما قاربوا أن يفعلوا حتى انتهت سؤالاتهم ، وانقطعت تعللاتهم ، ففعلوا كالمضطر الملجأ إلى الفعل .