المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ} (186)

186- وإني مطلع على العباد ، عليم بما يأتون وما يذرون ، فإذا سألك - يا محمد - عبادي قائلين : هل الله قريب منا بحيث يعلم ما نخفي وما نعلن وما نترك ؟ فقل لهم : إني أقرب إليهم مما يظنون ، ودليل ذلك أن دعوة الداعي تصل في حينها ، وأنا الذي أجيبها في حينها كذلك ، وإذا كنت استجبت لها فليستجيبوا هم لي بالإيمان والطاعة فإن ذلك سبيل إرشادهم وسدادهم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ} (186)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلّهُمْ يَرْشُدُونَ }

يعني تعالى ذكره بذلك : وإذا سألك يا محمد عبادي عني أين أنا ؟ فإني قريب منهم أسمع دعاءهم ، وأجيب دعوة الداعي منهم .

وقد اختلفوا فيما أنزلت فيه هذه الآية ، فقال بعضهم : نزلت في سائل سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا محمد أقريب ربنا فنناجيه ، أم بعيد فنناديه ؟ فأنزل الله وإذَا سألَكَ عِبَادِي عَنّي فإِني قَريبٌ أُجِيبُ . . . الآية .

حدثنا بذلك ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عبدة السجستاني ، عن الصلت بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا جعفر بن سليمان عن عوف ، عن الحسن ، قال : سأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم : أين ربنا ؟ فأنزل الله تعالى ذكره : { وَإذَا سألكَ عِبَادي عَنّي فإنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إذَا دَعان . . . } الآية .

وقال آخرون : بل نزلت جوابا لمسئلة قوم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم : أيّ ساعة يدعون الله فيها ؟ ذكر من قال ذلك :

حدثنا سفيان بن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء قال : لما نزلت : { وَقَالَ رَبّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ } قالوا في أي ساعة ؟ قال : فنزلت : { وَإذَا سألَكَ عِبَادِي عَنّي فإنّي قَرِيبٌ } إلى قوله : { لَعَلّهُمْ يَرْشُدُون . }

حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء في قوله : { أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إذَا دَعان } قالوا : لو علمنا أيّ ساعة ندعو ؟ فنزلت { وإذَا سألَكَ عِبَادِي عَنّي فإنّي قَرِيبٌ . . . } الآية .

حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : زعم عطاء بن أبي رباح أنه بلغه لما نزلت : { وَقالَ رَبّكُمُ ادْعُوني أسْتَجِيبْ لَكُمْ } قال . الناس : لو نعلم أي ساعة ندعو ؟ فنزلت : { وَإذَا سألكَ عِبادي عَنّي فإنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إذَا دَعان فَلْيَسْتَجيبُوا لي وَلْيْوءْمِنُوا بِي لَعَلّهُمْ يَرْشُدُونَ . }

حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال حدثنا أسباط ، عن السدي : { وَإذَا سألَكَ عِبَادِي عَنّي فإنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعُوَةَ الدّاعِ إذَا دَعان }قال : ليس من عبد مؤمن يدعو الله إلا استجاب له ، فإن كان الذي يدعو به هو له رزق في الدنيا أعطاه الله ، وإن لم يكن له رزقا في الدنيا ذَخَرَهُ له إلى يوم القيامة ، ودفع عنه به مكروها .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الليث بن سعد ، عن ابن صالح ، عمن حدثه أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ما أُعْطيَ أحدٌ الدّعاءَ وَمُنِعَ الإجابةَ ، لأنّ الله يَقُولُ : { ا دْعُونِي أسْتَجِبْ لَكم . }

ومعنى متأولي هذا التأويل : وإذا سألك عبادي عني أيّ ساعة يدعونني فإني منهم قريب في كل وقت أجيب دعوة الداع إذا دعان .

وقال آخرون : بل نزلت جوابا لقول قوم قالوا إذا قال الله لهم : { ادْعُوني أسْتَجِبْ لَكُمْ } إلى أين ندعوه ؟ ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال مجاهد : { ادْعُوني أسْتَجِبْ لَكُمْ } قالوا : إلى أين ؟ فنزلت : { أيْنَما تُوَلّوا فَثَمّ وَجْهُ اللّهِ إنّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيم . }

وقال آخرون : بل نزلت جوابا لقوم قالوا : كيف ندعو ؟ ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أنه لما أنزل الله { ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ } قال رجال : كيف ندعو يا نبي الله ؟ فأنزل الله : { وَإذَا سَأَلَكَ عِبَادي عَنّي فإنّي قَرِيبٌ } إلى قوله : يَرْشُدُونَ .

وأما قوله : { فَلْيَسْتَجِيبُوا لي }فإنه يعني : فليستجيبوا لي بالطاعة ، يقال منه : استجبت له واستجبته بمعنى أجبته ، كما قال كعب بن سعد الغنوي :

ودَاعٍ دَعا يا مَن يُجِيبُ إلى النّدَى فلَمْ يَتَجِهُ عندَ ذَاكَ مُجِيبُ

يريد : فلم يجبه . وبنحو ما قلنا في ذلك قال مجاهد وجماعة غيره .

2389حدثنا القاسم ، قال حدثنا الحسين ، قال : حدثني الحجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال مجاهد قوله : { فَلْيَسْتَجِيبُوا لي }قال : فليطيعوا لي ، قال : الاستجابة : الطاعة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا حبان بن موسى ، قال : سألت عبد الله بن المبارك عن قوله : { فَلْيَسْتَجِيبُوا ليج قال : طاعة الله .

وقال بعضهم : معنى { فَلْيَسْتَجِيبُوا لي }فليدعوني . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني منصور بن هارون ، عن أبي رجاء الخراساني ، قال{ فَلْيَسْتَجِيبُوا لي } : فليدعوني .

وأما قوله : { وَلْيُؤْمِنُوا بِيج فإنه يعني : وليصدقوا ، أي وليؤمنوا بي إذا هم استجابوا لي بالطاعة أني لهم من وراء طاعتهم لي في الثواب عليها وإجزالي الكرامة لهم عليها .

وأما الذي تأول قوله : { فَلْيَسْتَجِيبُوا لي } أي بمعنى فليدعوني ، فإنه كان يتأول قوله : { وَلْيُؤْمِنُوا بي } : وليؤمنوا بي أني أستجيب لهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، قال : حدثني منصور بن هارون ، عن أبي رجاء الخراساني : { وَلْيُؤْمِنُوا بي } يقول : أني أستجيب لهم .

وأما قوله : { لَعَلّهُمْ يَرْشُدُونَ }فإنه يعني : فليستجيبوا لي بالطاعة ، وليؤمنوا بي فيصدّقوا على طاعتهم إياي بالثواب مني لهم وليهتدوا بذلك من فعلهم فيرشدوا كما :

حدثني به المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعد ، قال حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع في قوله : { لَعَلّهُمْ يَرْشُدُونَ }يقول : لعلهم يهتدون .

فإن قال لنا قائل : وما معنى هذا القول من الله تعالى ذكره ؟ فأنت ترى كثيرا من البشر يدعون الله فلا يجاب لهم دعاء وقد قال : { أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إذَا دَعانِ ؟ }قيل : إن لذلك وجهين من المعنى : أحدهما أن يكون معنيا بالدعوة العمل بما ندب الله إليه وأمر به ، فيكون تأويل الكلام : وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ممن أطاعني وعمل بما أمرته به أجيبه بالثواب على طاعته إياي إذا أطاعني . فيكون معنى الدعاء مسألة العبد ربه وما وعد أولياؤه على طاعتهم بعلمهم بطاعته ، ومعنى الإجابة من الله التي ضمنها له الوفاء له بما وعد العاملين له بما أمرهم به ، كما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله : «إنّ الدّعاءَ هُوَ العِبَادَة » .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جويبر ، عن الأعمش ، عن ذرّ ، عن سَبيْع الحضرمي ، عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إِنّ الدّعاءَ هُوَ العِبَادةُ » ، ثم قرأ : { وَقالَ رَبّكُمُ ادْعُوني أسْتَجِبْ لَكُمْ إنّ الّذِينَ يَسْتَكُبِرُونَ عَنْ عِبَادَتي سَيَدْخُلُونَ جَهَنّمَ دَاخِرين . }

فأخبر صلى الله عليه وسلم أن دعاء الله إنما هو عبادته ومسألته بالعمل له والطاعة وبنحو الذي قلنا في ذلك ذكر أن الحسن كان يقول .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني منصور بن هارون ، عن عبد الله بن المبارك ، عن الربيع بن أنس ، عن الحسن أنه قال فيها : { ادْعُوني أسْتَجِبْ لَكُمْ }قال : اعملوا وأبشروا فإنه حق على الله أن يستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله .

والوجه الاَخر : أن يكون معناه : أجيب دعوة الداع إذا دعان إن شئت . فيكون ذلك وإن كان عاما مخرجه في التلاوة خاصا معناه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ} (186)

{ وإذا سألك عبادي عني فإني قريب } أي فقل لهم إني قريب ، وهو تمثيل لكمال علمه بأفعال العباد وأقوالهم واطلاعه على أحوالهم بحال من قرب مكانه منهم ، روي : أن أعرابيا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فنزلت { أجيب دعوة الداع إذا دعان } تقرير للقرب . ووعد للداعي بالإجابة . { فليستجيبوا لي } إذا دعوتهم للإيمان والطاعة كما أجيبهم إذا دعوني لمهماتهم { وليؤمنوا بي } أمر بالثبات والمداومة عليه { لعلهم يرشدون } راجين إصابة الرشد وهو إصابة الحق . وقرئ بفتح الشين وكسرها . واعلم أنه تعالى لما أمرهم بصوم الشهر ومراعاة العدة ، وحثهم على القيام بوظائف التكبير والشكر ، عقبه بهذه الآية الدالة على أنه تعالى خبير بأحوالهم ، سميع لأقوالهم مجيب لدعائهم ، مجازيهم على أعمالهم تأكيدا له وحثا عليه ، ثم بين أحكام الصوم فقال :