المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّـٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ وَإِن يَسۡتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٖ كَٱلۡمُهۡلِ يَشۡوِي ٱلۡوُجُوهَۚ بِئۡسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتۡ مُرۡتَفَقًا} (29)

29- وقل - أيها الرسول - : إن ما جئت به هو الحق من عند ربكم ، فمن شاء أن يؤمن به فليؤمن ، فذلك خير له ، ومن شاء أن يكفر فليكفر فإنه لم يظلم إلا نفسه . إننا أعددنا لمن ظلم نفسه بالكفر ناراً تحيط بهم كالسرادق . وإن يستغث الظالمون بطلب الماء وهم في جهنم ؛ يؤت لهم بماء كالزيت العكر الشديد الحرارة يحرق الوجوه بلهيبه . قَبُحَ هذا الشراب لهم ، وقبحت جهنم مكاناً لراحتهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّـٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ وَإِن يَسۡتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٖ كَٱلۡمُهۡلِ يَشۡوِي ٱلۡوُجُوهَۚ بِئۡسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتۡ مُرۡتَفَقًا} (29)

ثم أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجهر بكلمة الحق فى وجوه المستكبرين ، فقال .

{ وَقُلِ الحق مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ . . } .

أى : وقل : أيها الرسول - لهؤلاء الذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا ، واتبعوا أهواءهم ، وكان أمرهم فرطا ، قل لهم : هذا الذى جئتكم به من قرآن هو الحق من ربكم وخالقكم . . فقوله : { الحق مِن رَّبِّكُمْ } خبر لمبتدأ محذوف .

أو أن لفظ { الحق } مبتدأ ، والجار والمجرور خبره . أى : الحق الذى جئتكم به فى هذا القرآن العظيم ، كائن مبدؤه من ربكم ، وليس من أحد سواه .

وليس المراد من قوله { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } التخيير بين الإيمان والكفر ، بل المراد به التهديد والتخويف ، بدليل قوله - تعالى - بعد ذلك { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً } . . إلخ .

أى : قل لهم جئتكم من ربكم بالحق الذى يجب اتباعه ، فمن شاء أن يؤمن به فليفعل فإن عاقبته الخير والثواب ، ومن شاء أن يكفر به فليكفر فإن عاقبته الخسران والعقاب ، كما بين - سبحانه - ذلك فى قوله : { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا } .

والسرادق : كل ما أحاط بغيره ، كالحائط أو السور الذى يحيط بالبناء ، فيمنع من الوصول إلى ما بداخله .

أى : إنا هيأنا وأعددنا للكافرين بهذا الحق نارا مهولة عظيمة ، أحاط بهم سياجها إحاطة تامة ؛ بحيث لا يستطيعون الخروج منه ، وإنما هم محصورون بداخله . كما ينحصر الشئ بداخل ما يحدق به من كل جانب .

وقوله : { وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كالمهل يَشْوِي الوجوه بِئْسَ الشراب وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً } بيان لما ينزل بهم من عذاب عندما يطلبون الغوث مما هم فيه من كروب .

والمهل فى اللغة : يطلق على ما أذيب من جواهر الأرض . كالحديد ، والرصاص ، والنحاس ، ونحو ذلك كما يطلق - أيضا - على الماء الغليظ كدردى الزيت أى : ما تعكر منه . وقيل . هو نوع من القطران أو السم .

والمرتفق : المتكأ ، من الارتفاق وهو الاتكاء على مرفق اليد .

أى : إن هؤلاء الكافرين ، إن يطلبوا الغوث عما هم فيه من كرب وعطش ، يغاثوا بماء كالمهل فى شدة حرارته ونتنه وسواده ، هذا الماء { يشوى الوجوه } أى : يحرقها .

{ بئس الشراب } ذلك الماء الذى يغاثون به { وساءت } النار منزلا ينزلون به ، ومتكأ يتكئون عليه .

فالآية الكريمة تصور ما ينزل بهؤلاء الظالمين من عذاب ، تصويرا ترتجف من هوله الأبدان ، ويدخل الرعب والفزع على النفوس .

قال بعضهم : " فإن قيل ، أى إغاثة لهم فى ماء كالمهل مع أنه من أشد العذاب ، وكيف قال - سبحانه - ، { يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كالمهل } ؟

فالجواب : إن هذا من أساليب اللغة العربية التى نزل بها القرآن ونظيره من كلام العرب قول عمرو بن معد يكرب .

وخيل قد دلفت لها بخيل . . . تحية بينهم ضرب وجيع

أى : لا تحية لهم إلا الضرب الوجيع ، وإذا كان هؤلاء الظالمون لا يغاثون إلا بماء كالمهل ، علم من ذلك أنهم لا إغاثة لهم مطلقا " .

والمخصوص بالذم فى قوله : { بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً } محذوف ، بئس الشراب ذلك الماء الذى يغاثون به ، وساءت النار مكانا للارتفاق والاتكاء .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّـٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ وَإِن يَسۡتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٖ كَٱلۡمُهۡلِ يَشۡوِي ٱلۡوُجُوهَۚ بِئۡسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتۡ مُرۡتَفَقًا} (29)

يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم : وقل يا محمد للناس : هذا الذي جئتكم به من ربكم هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك { فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } هذا من باب التهديد والوعيد الشديد ؛ ولهذا قال : { إِنَّا أَعْتَدْنَا } أي : أرصدنا { لِلظَّالِمِينَ } وهم الكافرون بالله ورسوله وكتابه { نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا } أي : سورها .

قال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا ابن لَهيعة ، حدثنا دَرَّاج ، عن أبي الهيثم{[18142]} عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لسُرَادِق النار أربعة جُدُر ، كثافة كل جدار مسافة أربعين سنة " .

وأخرجه الترمذي في " صفة النار " وابن جرير في تفسيره ، من حديث دراج أبي السَّمح به{[18143]}

[ وقال ابن جريج : قال ابن عباس : { أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا } قال : حائط من نار ]{[18144]}

وقال ابن جرير : حدثني الحسين بن نصر والعباس بن محمد قالا حدثنا أبو عاصم ، عن عبد الله بن أمية ، حدثني محمد بن حيي بن يعلى ، عن صفوان بن يعلى ، عن يعلى بن أمية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " البحر هو جهنم " قال : فقيل له : [ كيف ذلك ؟ ]{[18145]} فتلا هذه الآية - أو : قرأ هذه الآية - : { نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا } ثم قال : " والله لا أدخلها أبدًا أو : ما دمت حيًا - ولا تصيبني منها قطرة " {[18146]} .

وقوله : { وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا } قال ابن عباس : " المهل " : ماء غليظ مثل{[18147]} دردي الزيت .

وقال مجاهد : هو كالدم والقيح . وقال عكرمة : هو الشيء الذي انتهى حَرّه : وقال آخرون : هو كل شيء أذيب .

وقال قتادة : أذاب ابنُ مسعود شيئًا من الذهب في أخدود ، فلما انماع وأزبد قال : هذا أشبه شيء بالمهل .

وقال الضحاك : ماء جهنم أسود ، وهي سوداء وأهلها{[18148]} سود .

وهذه الأقوال ليس شيء منها ينفي الآخر ، فإن المهل يجمع هذه الأوصاف الرذيلة كلها ، فهو أسود منتن غليظ حار ؛ ولهذا قال : { يَشْوِي الْوُجُوهَ } أي : من حره ، إذا أراد الكافر أن يشربه وقَرّبه من وجهه ، شواه حتى يسقط جلد وجهه فيه ، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد بإسناده المتقدم في سُرادِق النار عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ماء كالمهل " . قال{[18149]} كعكر الزيت فإذا قربه إليه سقطت فروة وجهه فيه " {[18150]} وهكذا رواه الترمذي في " صفة النار " من جامعه ، من حديث رِشْدِين بن سعد{[18151]} عن عمرو بن الحارث ، عن دراج ، به{[18152]} ثم قال : لا نعرفه إلا من حديث " رشدين " ، وقد تكلم فيه من قبل حفظه ، ، هكذا قال ، وقد رواه الإمام أحمد كما تقدم عن حسن الأشيب ، عن ابن لَهِيعة ، عن دَرّاج ، والله أعلم{[18153]} .

وقال عبد الله بن المبارك ، وبَقِيَّة بن الوليد ، عن صفوان بن عمرو ، عن عبد الله بن بُسْر ، عن أبي أمامة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ } [ إبراهيم : 16 ، 17 ] قال : " يقرب إليه فيَتَكرّهه ، فإذا قرب منه شَوَى وجهَه ووقعت فروةُ رأسه ، فإذا شربه{[18154]} قطع أمعاءه ، يقول الله تعالى : { وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ } .

وقال سعيد بن جبير : إذا جاع أهل النار استغاثوا بشجرة الزقوم ، فأكلوا{[18155]} منها فاختلست جلود وجوههم ، فلو أن مارًّا مرً بهم يعرفهم ، لعرف جلود وجوههم فيها . ثم يصب عليهم العطش فيستغيثون . فيغاثون بماء كالمهل ، وهو الذي قد انتهى حره ، فإذا أدنوه من أفواههم اشتوى من حره لحوم{[18156]} وجوههم التي قد سقطت عنها الجلود .

ولهذا قال تعالى بعد وصفه هذا الشراب بهذه{[18157]} الصفات [ الذميمة ]{[18158]} القبيحة : { بِئْسَ الشَّرَابُ } أي : بئس هذا الشراب{[18159]} كما قال في الآية الأخرى : { وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ } [ محمد : 15 ] وقال تعالى : { تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ } [ الغاشية : 5 ]{[18160]} أي : حارة ، كما قال : { وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } [ الرحمن : 44 ]

{ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا } [ أي : وساءت النار ]{[18161]} منزلا ومَقِيلا ومجتمعًا وموضعًا للارتفاق{[18162]} كما قال في الآية الأخرى : { إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا } [ الفرقان : 66 ]


[18142]:في ت: "هشيم".
[18143]:المسند (3/29) وسنن الترمذي برقم (2584) وتفسير الطبري (15/157). ودراج عن أبي الهيثم ضعيف.
[18144]:زيادة من ف.
[18145]:زيادة من ف.
[18146]:تفسير الطبري (15/157).
[18147]:في ت: "قيل".
[18148]:في ف، أ: "شجرها".
[18149]:في ت: "قال كالمهل".
[18150]:المسند (3/70).
[18151]:في ت: "بن الأسعد".
[18152]:سنن الترمذي برقم (2581).
[18153]:في ت: "فالله أعلم".
[18154]:في ت، ف: "شرب".
[18155]:في ت، ف: "فيأكلون".
[18156]:في ت: "جلود".
[18157]:في ت: "بهذا".
[18158]:زيادة من ف، أ.
[18159]:في ف، أ: "شرابا".
[18160]:في ف: "يسقى".
[18161]:زيادة من ف.
[18162]:في ت: "للارتفاع".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّـٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ وَإِن يَسۡتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٖ كَٱلۡمُهۡلِ يَشۡوِي ٱلۡوُجُوهَۚ بِئۡسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتۡ مُرۡتَفَقًا} (29)

{ وقل الحق من ربكم } الحق ما يكون من جهة الله لا ما يقتضيه الهوى ، ويجوز أن يكون الحق خبر مبتدأ محذوف و{ من ربكم } حالا . { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } لا أبالي بإيمان من آمن ولا كفر من كفر ، وهو لا يقتضي استقلال العبد بفعله فإنه وان كان بمشيئته فمشيئته ليست بمشيئته . { إنا اعتدنا } هيأنا . { للظالمين نارا أحاط بهم سُرادقُها } فسطاطها ، شبه به ما يحيط بهم من النار . وقيل السرادق الحجرة التي تكون حول الفسطاط . وقيل سرادقها دخانها وقيل حائط من نار { وإن يستغيثوا } من العطش . { يُغاثوا بما كالمهل } كالجسد المذاب . وقيل كدرديّ الزيت وهو على طريقة قوله : فاعتبوا بالصيلم . { يشوي الوجوه } إذا قدم ليشرب من فرط حرارته ، وهو صفة ثانية لماء أو حال من المهل أو الضمير في الكاف . { بئس الشراب } المهل . { وساءت } النار . { مرتفقاً } متكأ وأصل الارتفاق نصب المرفق تحت الخد ، وهو لمقابلة قوله وحسنت مرتفقا وألا فلا ارتفاق لأهل النار .