تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{مَا قُلۡتُ لَهُمۡ إِلَّا مَآ أَمَرۡتَنِي بِهِۦٓ أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمۡۚ وَكُنتُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا مَّا دُمۡتُ فِيهِمۡۖ فَلَمَّا تَوَفَّيۡتَنِي كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِيبَ عَلَيۡهِمۡۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ} (117)

{ ما قلت لهم } وأنت تعلم ، { إلا ما أمرتني به } في الدنيا ، { أن اعبدوا الله } ، يعني وحدوا الله ، { ربي وربكم } ، قال لهم عيسى صلى الله عليه وسلم ذلك في هذه السورة ، وفي كهيعص ، وفي الزخرف ، { وكنت عليهم شهيدا } ، يعني على بني إسرائيل بأن قد بلغتهم الرسالة ، { ما دمت فيهم } ، يقول ما كنت بين أظهرهم ، { فلما توفيتني } ، يقول : فلما بلغ بي أجل الموت ، { فمت كنت أنت الرقيب عليهم } ، يعني الحفيظ ، { وأنت على كل شيء شهيد } ، يعني شاهدا بما أمرتهم من التوحيد ، وشهيد عليهم بما قالوا من البهتان ، وإنما قال الله عز وجل : { وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم } ، ولم يقل : وإذ يقول : يا عيسى ابن مريم ، لأنه قال سبحانه قبل ذكر عيسى يوم يجمع الله الرسل ، فيقول : ماذا أجبتم ؟ قالوا : يومئذ ، وهو يوم القيامة ، حين يفرغ من مخاصمة الرسل ، فينادى : أين عيسى ابن مريم ، فيقوم عيسى صلى الله عليه وسلم شفق ، فرق ، يرعد رعدة حتى يقف بين يدي الله عز وجل ، يا عيسى : { أأنت قلت للناس أتخذوني وأمي إلهين من دون الله } .

وكما قال سبحانه : { ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون } ( الأعراف : 50 ) ، فلما دخلوا الجنة ، قال : { ونادى أصحاب النار } ( الأعراف : 50 ) ، فنسق بالماضي على الماضي ، والمعنى مستقبل ، ولو لم يذكر الجنة قبل بدئهم بالكلام الأول لقال في الكلام الأول : { ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار } ( الأعراف : 44 ) ، وكل شيء في القرآن على هذا النحو .

ثم قال عيسى صلى الله عليه وسلم لربه عز وجل في الآخرة : يا رب ، غبت عنهم وتركتهم على الحق الذي أمرتني به ، فلم أدر ما أحدثوا بعدى .