غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَيَجۡعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكۡرَهُونَۚ وَتَصِفُ أَلۡسِنَتُهُمُ ٱلۡكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلنَّارَ وَأَنَّهُم مُّفۡرَطُونَ} (62)

61

ثم عاد إلى حكاية كلمتهم الحمقاء فقال :{ ويجعلون لله ما يكرهون } ، لأنفسهم من البنات ، ولا يبعد أن يندرج فيه سائر ما يكرهون من الشركاء في الرياسة ، ومن الاستخفاف والتهاون برسلهم ورسالتهم ، وأنهم يجعلون أرذل أموالهم لله وأكرمها للأصنام . وعن بعضهم أنه قال لرجل من ذوي اليسار : كيف تكون يوم القيامة إذا قال الله تعالى : هاتوا ما دفع إلى السلاطين وأعوانهم ، فيؤتى بالدواب والثياب وأنواع الأموال الفاخرة ، وإذا قال هاتوا ما دفع إليّ ، فيؤتى بالكسر والخرق وما لا يؤبه له ، أما تستحيي من ذلك الموقف ؟ ثم قال : { وتصف ألسنتهم الكذب } ، قال الفراء والزجاج : أبدل منه قوله : { أن لهم الحسنى } ، عن مجاهد أن الحسنى البنون ، كانت قريش يقولون : لله البنات ولنا البنون . وقال غيره : هي الجنة ، أي : إنهم مع جعلهم لله ما يكرهون ، حكموا لأنفسهم بالجنة والثواب من الله ، وأنهم يفوزون برضوان الله بسبب هذا القول ، زعماً منهم أنهم على الدين الحق والمذهب الحسن . وكيف يحكمون بذلك وكانوا منكرين للقيامة ؟ الجواب : أنه كان فيهم من يقر بالبعث ، ولذلك كانوا يربطون البعير على قبر الميت ، ويتركونه إلى أن يموت ، ظناً منهم أن الميت إذا حشر ، فإنه يحشر معه مركوبه ، وبتقدير أنهم كانوا منكرين ، فلعلهم قالوا إن كان محمد صلى الله عليه وسلم صادقاً في دعوى الحشر والقيامة ، فإنه يحصل لنا الجنة والثواب ، بسبب هذا الدين الحق الذي نحن عليه ، نظيره { ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى } [ فصلت : 50 ] . ومن الناس من رجح هذا القول ؛ لأنه تعالى ردّ عليهم بعد ذلك بقوله : { لا جرم أن لهم النار } ، قال الزجاج : لا ردّ لقولهم ، أي : ليس الأمر كما وصفوا . جرم ، أي : كسب ذلك القول أن لهم النار ، ف " أنَّ " مع ما بعده في محل النصب لوقوع الكسب عليه . وقال قطرب : " أن " في موضع رفع ، والمعنى : حق أن لهم الافتراء على الله . وجوّز أبو علي الفارسي أن يكون من أفرط ، أي : صار ذا فرط ، مثل أجرب ، أي : صار ذا جرب ، ومن قرأ بفتحها مخففة ، فهو من أفرطت فلاناً خلفي ، إذا خلفته ونسيته ، فالمعنى : أنهم متروكون في النار منسيون . ومن قرأ بكسر الراء المشددة فهو من التفريط في الطاعات . وقرىء بفتح الراء المشددة ، من فرّطته في طلب الماء ، إذا قدمته ، وجاء أفرطته بمعناه أيضاً ، فالمراد أنهم مقدمون إلى النار معجلون إليها .

/خ70