ثم عاد إلى حكاية كلمتهم الحمقاء فقال :{ ويجعلون لله ما يكرهون } ، لأنفسهم من البنات ، ولا يبعد أن يندرج فيه سائر ما يكرهون من الشركاء في الرياسة ، ومن الاستخفاف والتهاون برسلهم ورسالتهم ، وأنهم يجعلون أرذل أموالهم لله وأكرمها للأصنام . وعن بعضهم أنه قال لرجل من ذوي اليسار : كيف تكون يوم القيامة إذا قال الله تعالى : هاتوا ما دفع إلى السلاطين وأعوانهم ، فيؤتى بالدواب والثياب وأنواع الأموال الفاخرة ، وإذا قال هاتوا ما دفع إليّ ، فيؤتى بالكسر والخرق وما لا يؤبه له ، أما تستحيي من ذلك الموقف ؟ ثم قال : { وتصف ألسنتهم الكذب } ، قال الفراء والزجاج : أبدل منه قوله : { أن لهم الحسنى } ، عن مجاهد أن الحسنى البنون ، كانت قريش يقولون : لله البنات ولنا البنون . وقال غيره : هي الجنة ، أي : إنهم مع جعلهم لله ما يكرهون ، حكموا لأنفسهم بالجنة والثواب من الله ، وأنهم يفوزون برضوان الله بسبب هذا القول ، زعماً منهم أنهم على الدين الحق والمذهب الحسن . وكيف يحكمون بذلك وكانوا منكرين للقيامة ؟ الجواب : أنه كان فيهم من يقر بالبعث ، ولذلك كانوا يربطون البعير على قبر الميت ، ويتركونه إلى أن يموت ، ظناً منهم أن الميت إذا حشر ، فإنه يحشر معه مركوبه ، وبتقدير أنهم كانوا منكرين ، فلعلهم قالوا إن كان محمد صلى الله عليه وسلم صادقاً في دعوى الحشر والقيامة ، فإنه يحصل لنا الجنة والثواب ، بسبب هذا الدين الحق الذي نحن عليه ، نظيره { ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى } [ فصلت : 50 ] . ومن الناس من رجح هذا القول ؛ لأنه تعالى ردّ عليهم بعد ذلك بقوله : { لا جرم أن لهم النار } ، قال الزجاج : لا ردّ لقولهم ، أي : ليس الأمر كما وصفوا . جرم ، أي : كسب ذلك القول أن لهم النار ، ف " أنَّ " مع ما بعده في محل النصب لوقوع الكسب عليه . وقال قطرب : " أن " في موضع رفع ، والمعنى : حق أن لهم الافتراء على الله . وجوّز أبو علي الفارسي أن يكون من أفرط ، أي : صار ذا فرط ، مثل أجرب ، أي : صار ذا جرب ، ومن قرأ بفتحها مخففة ، فهو من أفرطت فلاناً خلفي ، إذا خلفته ونسيته ، فالمعنى : أنهم متروكون في النار منسيون . ومن قرأ بكسر الراء المشددة فهو من التفريط في الطاعات . وقرىء بفتح الراء المشددة ، من فرّطته في طلب الماء ، إذا قدمته ، وجاء أفرطته بمعناه أيضاً ، فالمراد أنهم مقدمون إلى النار معجلون إليها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.