وهي مدنية غير آية نزلت عشية عرفة { اليوم أكملت لكم دينكم }
حروفها أحد عشر ألفا وسبعمائة وثلاثة وثلاثون وكلماتها ألفان وثمانمائة وأربع .
التفسير : وفي بالعهد وأوفى به بمعنى . والعقد وصل الشيء بالشيء على سبيل الاستيثاق والإحكام والعهد وإلزام مع إحكام . والمقصود من الإيفاء بالعقود أداء تكاليفه فعلاً وتركاً . والتحقيق أن الإيمان معرفة الله بذاته وصفاته وأحكامه وأفعاله فكأنه قيل : يا أيها الذين التزمتم بأيمانكم أنواع العقود أوفوا بها . ومعنى تسمية التكاليف عقوداً أنها مربوطة بالعباد كما يربط الشيء بالشيء بالحبل الموثق . قال الشافعي : إذا نذر صوم يوم العيد أو نذر ذبح الولد لغا لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا نذر في معصية الله " . وقال أبو حنيفة : يجب عليه الصوم والذبح لقوله تعالى : { أوفوا بالعقود } غايته أنه لغا هذا النذر في خصوص كون الصوم واقعاً في يوم العيد وفي خصوص كون الذبح في الولد .
وقال أيضاً خيار المجلس غير ثابت لقوله : { أوفوا بالعقود } وخصص الشافعي عموم الآية بقوله : صلى الله عليه وسلم : " المتبايعان كل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا " . وقال أبو حنيفة : الجمع بين الطلقات حرام لأن النكاح من العقود بدليل :{ ولا تعزموا عقدة النكاح }[ البقرة :235 ] وقال : { أوفوا بالعقود } ترك العمل به في الطلقة الواحدة بالإجماع فيبقى سائرها على الأصل . والشافعي خصص هذا العموم بالقياس وهو أنه لو حرم الجمع لما نفذ وقد نفذ فلا يحرم . ثم إنه سبحانه لما مهد القاعدة الكلية ذكر ما يندرج تحتها فقال : { أحلت لكم بهيمة الأنعام } والبهيمة كل حي لا عقل له من قولهم : استبهم الأمر إذا أشكل . وهذا باب مبهم أي مسدود . ثم خص هذا الاسم بكل ذات أربع في البر والبحر . والأنعام هي : المال الراعية من الإبل والبقر والغنم . قال الواحدي : ولا يدخل في اسم الأنعام الحافر لأنه مأخوذ من نعومة الوطء ، وإضافة البهيمة إلى الأنعام للبيان مثل : خاتم فضة بتقدير من . وفائدة زيادة لفظ البهيمة مع صحة ما لو قيل أحلت لكم الأنعام كما قال في سورة الحج هي فائدة الإجمال ثم التبيين . وإنما وحد البهيمة لأنها اسم جمع يشمل أفرادها . وجمع الأنعام لأن النعم مفرداً يقع في الأكثر على الإبل وحدها . وقيل : المراد بالبهيمة شيء وبالأنعام شيء آخر وعلى هذا ففيه وجهان : أحدهما أن البهيمة الظباء وبقرة الوحش ونحوها كأنهم أرادوا ما يماثل الأنعام ويدانيها من جنس الأنعام في الاجترار وعدم الأنياب فأضيفت إلى الأنعام لملابسة الشبه . الثاني أنها الأجنة . عن ابن عباس أن بقرة ذبحت فوجد في بطنها جنين فأخذ ابن عباس بذنبها وقال : هذه بهيمة الأنعام . وعن ابن عمر أنها أجنة الأنعام وذكاته ذكاة أمة ، قالت الثنوية : ذبح الحيوانات إيلام والإيلام قبيح وخصوصاً إيلام من بلغ في العجز والحيرة إلى حيث لا يقدر أن يدفع عن نفسه ولم يكن له لسان يحتج على من يقصد إيلامه ، والقبيح لا يرضى به الإله الرحيم الحكيم فلا يكون الذبح مباحاً حلالاً ، فلقوة هذه الشبهة زعم البكرية من المسلمين أنه تعالى يدفع ألم الذبح عن الحيوانات . وقالت المعتزلة : إن الإيلام إنما يقبح إذا لم يكن مسبوقاً بجناية ولا ملحوقاً بعوض ، وههنا يعوض الله سبحانه وتعالى هذه الحيوانات بأعواض شريفة فلا يكون ظلماً وقبيحاً كالفصد والحجامة لطلب الصحة وقالت الأشاعرة : الإذن في ذبح الحيوانات تصرف من الله تعالى في ملكه فلا اعتراض عليه ولذا قال : { إن الله يحكم ما يريد } قال بعضهم : { أحلّت لكم بهيمة الأنعام } مجمل لاحتمال أن يكون المراد إحلال الانتفاع بجلدها أو عظمها أو صوفها أو بالكل .
والجواب أن الإحلال لا يضاف إلى الذات فتعين إضمار الانتفاع بالبهيمة فيشمل أقسام الانتفاع . على أن قوله :{ والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون }[ النحل :5 ] يدل على الانتفاع بها من كل الوجوه ، إلاّ أنه ألحق بالآية نوعين من الاستثناء الأول قوله : { إلاّ ما يتلى عليكم } أي إلاّ محرم ما يتلى عليكم أو ما يتلى عليكم آية تحريمه . وأجمع المفسرون على أن الآية قوله بعد ذلك : { حرمت عليكم الميتة والدم } . والثاني قوله : { غير محلي الصيد وأنتم حرم } أي داخلون في الحرم أو في الإحرام . قال الجوهري : رجل حرام أي محرم والجمع حرم مثل قذال وقذل . وقيل : مفرد يستوي فيه الواحد والجمع كما يقال قوم جنب ، وانتصاب : { غير محلي } على الحال من الضمير في : { لكم } أي أحلت لكم هذه الأشياء لا محلين الصيد في حالة الإحرام وفي الحرم . ثم كان لقائل أن يقول : ما السبب في إباحة الأنعام في جميع الأحوال وإباحة الصيد في بعض الأحوال ؟ فقيل : إن الله يحكم ما يريد فليس لأحد اعتراض على حكمه ولا سؤال بلم وكيف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.