{ فِيهِ ءايات بينات } علامات واضحات لا تلتبس على أحد { مَّقَامُ إبراهيم } عطف بيان لقوله «آيات بينات » . وصح بيان الجماعة بالواحد لأنه وحده بمنزلة آيات كثيرة لظهور شأنه وقوة دلالته على قدرة الله تعالى ، ونبوة إبراهيم عليه السلام من تأثير قدمه في حجر صلد ، أو لاشتماله على آيات لأن أثر القدم في الصخرة الصماء آية ، وغوصه فيها إلى الكعبين آية ، وإلانة بعض الصخرة دون بعض آية ، وإبقاؤه دون سائر آيات الأنبياء عليهم السلام آية لإبراهيم خاصة على أن { وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءَامِناً } عطف بيان ل «آيات » وإن كان جملة ابتدائية أو شرطية من حيث المعنى لأنه يدل على أمن داخله فكأنه قيل : فيه آيات بينات مقام لإبراهيم وأمن داخله ، والاثنان في معنى الجمع . ويجوز أن يذكر هاتان الآيتان ويطوى ذكر غيرهما دلالة على تكاثر الآيات كأنه قيل : فيه آيات بينات مقام إبراهيم وأمن داخله وكثير سواهما نحو انمحاق الأحجار مع كثرة الرماة ، وامتناع الطير من العلو عليه وغير ذلك ، ونحوه في طي الذكر قوله عليه السلام " حبب إليّ من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وقرة عيني في الصلاة " فقرة عيني ليس من الثلاث بل هو ابتداء كلام لأنها ليست من الدنيا ، والثالث مطوي وكأنه عليه السلام ترك ذكر الثالث تنبيهاً على أنه لم يكن من شأنه أن يذكر شيئاً من الدنيا فذكر شيئاً هو من الدين . وقيل في سبب هذا الأثر أنه لما ارتفع بنيان الكعبة وضعف إبراهيم عليه السلام عن رفع الحجارة قام على هذا الحجر فغاصت فيه قدماه .
وقيل : إنه جاء زائراً من الشام إلى مكة فقالت له امرأة إسماعيل عليه السلام : إِنزل حتى تغسل رأسك فلم ينزل ، فجاءته بهذا الحجر فوضعته على شقه الأيمن فوضع قدمه عليه حتى غسلت شق رأسه ثم حولته إلى شقه الأيسر حتى غسلت الشق الآخر فبقي أثر قدميه عليه ، وأمان من دخله بدعوة إبراهيم عليه السلام { رَبّ اجعل هذا البلد آمِنًا } [ إبراهيم : 35 ] وكان الرجل لو جنى كل جناية ثم التجأ إلى الحرم لم يطلب . وعن عمر رضي الله عنه : لو ظفرت فيه بقاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه . ومن لزمه القتل في الحل بقود أو ردة أو زنا فالتجأ إلى الحرم لم يتعرض له إلا أنه لا يؤوى ولا يطعم ولا يسقى ولا يبايع حتى يضطر إلى الخروج . وقيل : آمنا من النار لقوله عليه السلام من " من مات في أحد الحرمين بعث يوم القيامة آمنا من النار " وعنه عليه السلام " الحجون والبقيع يؤخذ بأطرافهما وينثران في الجنة " وهما مقبرتا مكة والمدينة . وعنه عليه السلام " من صبر على حر مكة ساعة من نهار تباعدت منه جهنم مسيرة مائتي عام " { وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت } أي استقر له عليهم فرض الحج «حج البيت » : كوفي غير أبي بكر وهو اسم وبالفتح مصدر . وقيل : هما لغتان في مصدر حج { منْ } في موضع جر على أنه بدل البعض من الكل { استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً } فسرها النبي عليه السلام بالزاد والراحلة . والضمير في «إليه » للبيت أو للحج وكل مأتي إلى الشيء فهو سبيل إليه . ولما نزل قوله تعالى : «ولله على الناس حج البيت » . جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الأديان كلهم فخطبهم فقال : " إن الله تعالى كتب عليكم الحج فحجوا " فآمنت به ملة واحدة وهم المسلمون ، وكفرت به خمس ملل قالوا : لا نؤمن به ولا نصلي إليه ولا نحجه فنزل { وَمَن كَفَرَ } أي جحد فرضية الحج وهو قول ابن عباس والحسن وعطاء ، ويجوز أن يكون من الكفران أي ومن لم يشكر ما أنعمت عليه من صحة الجسم وسعة الرزق ولم يحج { فإنّ اللّه غنيٌّ عن العالمين } مستغنٍ عنهم وعن طاعتهم . وفي هذه الآية أنواع من التأكيد والتشديد : منها اللام و «على » أي أنه حق واجب لله في رقاب الناس ، ومنها الإبدال ففيه تثنية للمراد وتكرير له ، ولأن الإيضاح بعد الإبهام والتفصيل بعد الإجمال إيراد له في صورتين مختلفتين ، ومنها قوله «ومن كفر » مكان ومن لم يحج تغليظاً على تاركي الحج ، ومنها ذكر الاستغناء وذلك دليل على المقت والسخط ، ومنها قوله «عن العالمين » وإن لم يقل عنه وما فيه من الدلالة على الاستغناء عنه ببرهان لأنه إذا استغنى عن العالمين تناوله الاستغناء لا محالة ، ولأنه يدل على الاستغناء الكامل فكان أدل على عظم السخط الذي وقع عبارة عنه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.