نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فِيهِ ءَايَٰتُۢ بَيِّنَٰتٞ مَّقَامُ إِبۡرَٰهِيمَۖ وَمَن دَخَلَهُۥ كَانَ ءَامِنٗاۗ وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ سَبِيلٗاۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (97)

ثم فسر الهدى بقوله : { فيه آيات بينات } وقوله : { مقام إبراهيم * } أي أثر قدمه عليه الصلاة والسلام في الحجر حيث قام لتغسل{[18348]} كنته{[18349]} رأسه الشريف - أعربه{[18350]} أبو حيان بدلاً أو عطف بيان من الموصول الذي هو خبر { إن } في قوله : { للذي ببكة } فكأنه قيل : إن أول بيت وضع للناس لمقام{[18351]} إبراهيم ، وأعربه غيره{[18352]} بدل بعض من قوله { آيات } وهو وحده آيات لعظمه{[18353]} ولتعدد ما فيه من تأثير القدم ، وحفظه إلى هذا الزمان مع كونه منقولاً ، وتذكيره{[18354]} بجميع قضايا إبراهيم وإسماعيل{[18355]} عليهما الصلاة والسلام .

ولما كان أمن أهله في بلاد النهب والغارات التي ليس بها حاكم يفزع إليه ولا رئيس يعول{[18356]} في ذلك عليه من أدل الآيات قال سبحانه وتعالى : { ومن دخله } أي{[18357]} فضلاً عن{[18358]} أهله { كان آمناً } أي عريقاً{[18359]} في الأمن ، {[18360]}أو فأمنوه{[18361]} بأمان الله ، وتحويل العبارة عن " وأمن داخله{[18362]} " لأن هذا أدل على المراد{[18363]} من تمكن الأمن ، وفيه بشارة بدخول الجنة .

ولما أوضح سبحانه وتعالى براءتهم من{[18364]} إبراهيم عليه الصلاة والسلام لمخالفتهم إياه بعد دعواهم{[18365]} بهتاناً أنه على دينهم ، وكانت{[18366]} المخالفة في الواجب أدل قال سبحانه وتعالى : { ولله } أي الملك الذي له الأمر كله { على الناس } أي عامة ، فأظهر في موضع الإضمار دلالة على الإحاطة والشمول - كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى عن الأستاذ أبي الحسن الحرالي في

{ استطعما{[18367]} أهلها{[18368]} }[ الكهف :77 ] في الكهف{[18369]} ، وذلك لئلا يدعي خصوصة بالعرب أو غيرهم { حج البيت } أي زيارته زيارة{[18370]} عظيمة ، وأظهر أيضاً تنصيصاً عليه وتنويهاً بذكره تفخيماً لقدره ، وعبر هنا بالبيت لأنه في الزيارة ، وعادة العرب زيارة معاهد الأحباب وأطلالهم{[18371]} وأماكنهم{[18372]} وحلالهم{[18373]} ، وأعظم ما يعبر به عن الزيارة عندهم الحج ، ثم مَن بالتخفيف{[18374]} بقوله مبدلاً من الناس ، تأكيداً بالإيضاح بعد الإبهام وحملاً على الشكر بالتخفيف بعد التشديد وغير ذلك من البلاغة : { من استطاع } أي منهم { إليه سبيلاً } فمن حجه كان مؤمناً .

ولما كان من الواضح أن التقدير : ومن لم يحجه مع الاستطاعة كفر بالنعمة إن كان معترفاً بالوجوب ، وبالمروق من الدين إن جحد ، عطف عليه{[18375]} قوله : { ومن كفر } أي بالنعمة أو بالدين { فإن الله } اي الملك الأعلى { غني } ولما كان غناه مطلقاً {[18376]}دل عليه{[18377]} بقوله موضع عنه : { عن العالمين * } أي طائعهم وعاصيهم ، صامتهم وناطقهم ، رطبهم ويابسهم ، فوضح بهذه الآية وما شاكلها أنهم ليسوا على دينه كما وضح بما تقدم أنه ليس على دينهم ، فثبتت بذلك براءته منهم ، والآية{[18378]} من الاحتباك لأن إثبات فرضه أولاً يدل على كفر من{[18379]} أباه ، وإثبات{[18380]} { ومن كفر } ثانياً يدل على {[18381]}إيمان من حجه{[18382]} .


[18348]:من مد، وفي الأصل: يغسل، وفي ظ: ليغتسل.
[18349]:في مد: كنه ـ كذا.
[18350]:في ظ: أعزبه.
[18351]:في ظ: كمقام.
[18352]:من ظ ومد، وفي الأصل: قوله.
[18353]:في ظ: لتعظمه.
[18354]:من ظ ومد، وفي الأصل: تدبيره.
[18355]:زيد من ظ ومد.
[18356]:تأخر في الأصل عن "في ذلك".
[18357]:زيد بعده في ظ: على.
[18358]:في ظ: على.
[18359]:في ظ: غريقا.
[18360]:من مد،وفي الأصل : إذ يامنوا، وفي ظ: إن يامنوه.
[18361]:من مد،وفي الأصل : إذ يامنوا، وفي ظ: إن يامنوه.
[18362]:في ظ: دخله.
[18363]:زيدت الواو بعده في ظ.
[18364]:من ظ ومد، وفي الأصل: في.
[18365]:من ظ ومد، وفي الأصل: دعواه.
[18366]:في ظ: فكانت.
[18367]:في ظ: استعظما، وفي مد: استطعها.
[18368]:آية 77.
[18369]:سورة 18.
[18370]:من ظ ومد، وفي الأصل: بزيارة.
[18371]:من مد، وفي الأصل وظ: أظلالهم.
[18372]:من ظ ومد، وفي الأصل: وإمكانهم ـ مكررا.
[18373]:من مد، وفي الأصل وظ: خلالهم ـ كذا بالخاء المعجمة.
[18374]:من ظ ومد، وفي الأصل: بالتخفيف ـ كذا.
[18375]:من مد، وفي الأصل وظ: على.
[18376]:سقط من ظ.
[18377]:سقط من ظ.
[18378]:من ظ ومد، وفي الأصل: بل آية.
[18379]:في ظ: أتاه أو إنبات ـ كذا.
[18380]:في ظ: أتاه أو إنبات ـ كذا.
[18381]:في ظ: إيمانه و من حجه ـ كذا.
[18382]:في ظ: إيمانه و من حجه ـ كذا.