سورة الطلاق مدنية وآياتها اثنتا عشرة ، نزلت بعد سورة الإنسان . وفي هذه السورة الكريمة تفصيل عن الطلاق ووقته وأحكامه ، وشرح حالات لم تذكر في سورة البقرة التي تضمنت بعض أحكام الطلاق ، وبيّنت الوقت الذي يمكن أن يقع فيه الطلاق الذي يقبله الله ويجري وفق سنته . ثم فصّلت حق المطلقة وواجبها في البقاء في بيتها مدة العدة ، لا تُخرج منه إلا إذا عملت عملا لا يليق بها وأتت ذنبا عظيما ، أو أطالت لسانها على أقارب زوجها ، أو أنها ذهبت إلى بيت من بيوت أقاربها تكمل العدة فيه .
وطلاق السنة أن تطلق المرأة وهي طاهرة من الحيض ، أو حاملا حملا بيّنا ، فإذا طلقها زوجها وهي حائض ، أو لامسها وهو لا يدري أنها حامل أم لا ،
وهناك طلاق ليس بسنة ولا بدعة ، وهو : طلاق الصغيرة ، والتي كبرت وأيست من الحيض ، والتي لم يدخل بها . ثم فصّل عدة المطلقات بحسب حالاتهن .
ومتى انقضت عدة المرأة بات لها الحق في الخروج من بيتها ، وأن تتزوج من تشاء{ فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف ، وأشهدوا ذوي عدل منكم } .
ثم حثت السورة على الاعتناء بالمعتدات بأن يسكنّ مع أزواجهن ، وأن يعاملن معاملة حسنة لا تضرهن . وإذا كانت المطلقة حاملا فيجب الإنفاق عليها حتى تضع حملها ، فإذا وضعت وأرضعت الصغير فيجب أن تُعطى أجورها . . والله تعالى يوصينا أن نتعامل بالمعروف ما استطعنا ، وأن ينفق الإنسان حسب قدرته{ لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا } .
ثم بعد ذلك يذكر شيئا من أخبار الأمم الماضية وكيف عذب المكذبين منهم ، ليحذرنا أن لا نكون مثلهم ، وأن الله أنزل إلينا كتابا عظيما ، مع رسول كريم يتلوه علينا ليخرجنا من الظلمات إلى النور ، فلمن يؤمن به جزاء عظيم ، جنات تجري من تحتها الأنهار ، وهذه نعمة كبرى . . فاعملوا أيها المؤمنون لتنالوا رضا ربكم الذي خلق هذا الكون العجيب وأحاط بكل شيء علما .
إذا طلقتم النساء : إذا أردتم أن تطلقوا النساء ، وهذا التعبير جاء في القرآن مثل قوله تعالى : { فَإِذَا قَرَأْتَ القرآن فاستعذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم } [ النحل : 98 ] يعني إذا أردت أن تقرأ القرآن .
فطلقوهن لعدتهن : يعني طلقوهن بعد طُهرٍ من الحيض دون أن تمسّوهن حتى
لا تطول عليهن العدة ، والعدة هي الزمان الذي يجب على المرأة أن تبقى فيه دون أن تتزوج .
وأحصوا العدة : اضبطوها ، حتى يتبين أن المرأة ليست حاملا .
فاحشة مبينة : معصية ظاهرة ، مثل الزنا أو السرقة أو أن تطيل لسانها على أقارب زوجها وغير ذلك .
وجّه الله تعالى الخطاب إلى النبيّ الكريم ليُفهِم المؤمنين جميعا ، أن يتقيدوا بأحكام الشريعة ، فإذا أراد أحد أن يطلّق زوجته فإن عليه أن يراعي وقتَ طُهرها من الحيض فيطلّقها وهي طاهرة حتى لا تطول عليها مدة العدة . ثم أكد ذلك بقوله تعالى : { وَأَحْصُواْ العدة } اعرفوا ابتداءها وانتهاءها . { واتقوا الله رَبَّكُمْ } بمحافظتكم على أوامره ، لأنها لمصلحتكم .
ثم بين لنا أشياء يجب أن نتّبعها محافظةً على تماسك الأسرة ودوام حياتها فقال : { لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ } يعني أن المطلقة تبقى في بيتها حتى تنقضيَ العدة . وهناك حكمة بالغة في إبقاء المطلقة في بيتها ، وهي : عسى أن يراجعَ الزوج رأيَه ، ويعاودَ أمره ، فيراجعَ زوجته وتعود الحياة إلى مجراها الطبيعي . وفي ذلك مصلحة كبرى للطرفين .
{ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ }
ولا يجوز أن تخرج المطلقة من بيتها إلا إذا انتهت العِدة ، فلا تأذنوا لهنّ بالخروج إذا طلبن ذلك ، ولا يخرجن بأنفسِهن إن أردْن ، ولكنه استثنى من لزوم البقاء في بيوت الزوجية إذا دعت الضرورة لذلك كأن فعلتْ ما يوجِب حدّاً كالزنا أو السرقة أو أطالت اللسان على الأحماء ومن في البيت من سوءِ خلقها ، فيحل عند ذلك إخراجها من البيت .
ثم بين الله تعالى عاقبة تجاوز حدود الله فقال :
هذه التي بينها لكم من الطلاق للعدة وإحصائها وما يترتب على ذلك .
{ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } بعدم تمسّكه بأوامر الله وشرعه .
ثم لمّح إلى حكمة بقائها في البيت فقال :
{ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } .
أنتَ لا تعلم أيها المرء ماذا يحصل ، ولا تعلم أن الله يقلّب القلوب ، فيجعل في قلبك محبةً لها ، فتندم على طلاقها وفراقها ، ولعلك تراجعها وتعود المياه إلى مجاريها .
روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عمر رضي الله عَنْهُمْ « أنه طلق امرأته وهي حائض ، فذكر ذلك عمرُ لرسول الله ، فتغيّظ منه ثم قال : لِيراجعْها ثم يمسكْها حتى تطهُر ثم تحيض ثم تطهر ، فإن بدا له أن يطلّقها فليطلقها قبل أن يمسّها ، فتلك العِدةُ التي أمَرَ اللهُ أن تطلَّق لها النساء .
والشريعة الإسلامية ، وإن أباحت الطلاق ، قد بغّضت فيه وقبّحته وبينت أنه ضرورة لا يُلجا إليها إلا بعد استنفاد جميع الوسائل لبقاءِ رباط الزوجية الذي
هو أوثق رباط ، والذي حبّبتْ فيه وجعلته من أجلّ النعم ، وسماه الله تعالى : { مِّيثَاقاً غَلِيظاً } [ النساء : 21 ] والأحاديثُ كثيرة على التحذير من الطلاق والبعد عنه
{ يا أيها النبي } : أراد الله بالنداء النبي صلى الله عليه وسلم وأمته بدليل ما بعده .
{ إذا طلقتم النساء } : أي إذا أردتم طلاقهن .
{ فطلقوهن لعدتهن } : أي لِقُبُلِ عدتهن أي في طهر لم يجامعها فيه .
{ وأحصوا العدة } : أي احفظوا مدتها حتى يمكنكم المراجعة فيها .
{ واتقوا ربكم } : أي أطيعوه في أمره ونهيه .
{ لا تخرجوهن من بيوتهن } : أي لا تخرجوا المطلقة من بيت زوجها الذي طلقها حتى تنقضي عدتها .
{ إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } : أي إلا أن يؤذين بالبذاء في القول وسوء الخلق ، أو يرتكبن فاحشة من زناً بينة ظاهر لا شك فيها .
{ وتلك حدود الله } : أي المذكورات من الطلاق في أول الطهر وإحصاء العدة وعدم إخراج المطلقة من بيتها حتى تنقضي عدتها .
{ لا تدرى لعلّ الله يحدث بعد أمراً } : أي يجعل في قلب الزوج الرغبة في مراجعتها فيراجعها إذا لم ذلك تكن الثالثة من الطلقات .
قوله تعالى : { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء } يخاطب الله تبارك وتعالى رجال أمة الإِسلام في شخصية نبيها محمد صلى الله عليه وسلم فيقول : إذا طلقتم أي إذا أردتم طلاقهن لأمر اقتضى ذلك فطلقوهن لعدتهن أي لأول عدتهن وذلك في طهر لم تجامع فيه لتعدَّ ذلك الطهر أو لعدتها . وقوله تعالى : { وأحصوا العدة } أي احفظوها فاعرفوا بدايتها ونهايتها لما يترتب على ذلك من أحكام من صحة المراجعة وعدمها ، ومن النفقة ، والإِسكان وعدمهما . وقوله : { واتقوا الله ربكم } فامتثلوا أوامره وقفوا عند حدوده فلا تتعدوها ، لا تخرجوهن أي المطلقات من بيوتهن اللاتي طلقن فيهن ، ولا يخرجن من أي ويجب أن لا يخرجن من بيوتهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة كزناً ظاهرٍ أو تكون سيئة بذيئة اللسان فتؤذى أهل البيت أذىً لا يتحملونه فعندئذ يباح إخراجها .
وقوله تعالى : { وتلك حدود الله } أي المذكورات من الطلاق لأول الطهر ، وإحصاء العدة ، وعدم إخراجهن من بيوتهن ، وقوله { ومن يتعد حدود الله } فيتجاوزها ولم يقف عندها فقد ظلم نفسه وتعرض لعقوبة الله تعالى عاجلا أو آجلاً .
وقوله تعالى : { لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً } أي بأن يجعل الله تعالى في قلب الرجل رغبة في مراجعة مطلقته فيراجعها ، وفي ذلك خير كثير .
- بيان السنة في الطلاق وهي أن يطلقها في طهرٍ لم يمسها فيه بجماع .
- أن يكون الطلاق واحدة لا اثنتين ولا ثلاثاً .
- وجوب إحصاء العدة ليعرف الزوج متى تنقضي عدة مطلقته لما يترتب على ذلك من أحكام الرجعة والنفقة الإِسكان .
- حرمة إخراج المطلقة من بيتها الذي طلقت فيه إلى أن تنقضي عدتها إلاَّ أن ترتكب فاحشة ظاهرة كزناً أو بذاءة أو سوء خلق وقبيح معاملة فعندئذ يجوز إخراجها .
{ يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا }
{ يا أيها النبي } المراد أمته بقرينه ما بعده أو قل لهم { إذا طلقتم النساء } أي أردتم الطلاق { فطلقوهن لعدتهن } لأولها بأن يكون الطلاق في طهر لم تمس فيه لتفسيره بذلك ، رواه الشيخان { وأحصوا العدة } احفظوها لتراجعوا قبل فراغها { واتقوا الله ربكم } أطيعوه في أمره ونهيه { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن } منها حتى تنقضي عدتهن { إلا إن يأتين بفاحشة } زنا { مبيَّنة } بفتح الياء وكسرها ، بينت أو بينة فيخرجن لإقامة الحد عليهن { وتلك } المذكورات { حدود الله ومن يتعدَّ حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك } الطلاق { أمراً } مراجعة فيما إذا كان واحدة أو اثنتين .