في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗاۚ فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيۡهَاۚ لَا تَبۡدِيلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (30)

وعند هذا الحد يفرغ من أمر هؤلاء الذين يتبعون أهواءهم المتقلبة المضطربة ؛ ويتجه بالخطاب إلى الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ليستقيم على دين الله الثابت المستند على فطرة الله التي فطر الناس عليها ؛ وهو عقيدة واحدة ثابتة لا تتفرق معها السبل كما تفرق المشركون شيعا وأحزابا مع الأهواء والنزوات !

( فأقم وجهك للدين حنيفا . فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله . ذلك الدين القيم . ولكن أكثر الناس لا يعلمون . منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين . من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون ) . .

هذا التوجيه لإقامة الوجه للدين القيم يجيء في موعده ، وفي موضعه ، بعد تلك الجولات في ضمير الكون ومشاهده ، وفي أغوار النفس وفطرتها . . يجيء في أوانه وقد تهيأت القلوب المستقيمة الفطرة لاستقباله ؛ كما أن القلوب المنحرفة قد فقدت كل حجة لها وكل دليل ، ووقفت مجردة من كل عدة لها وكل سلاح . . وهذا هو السلطان القوي الذي يصدع به القرآن . السلطان الذي لا تقف له القلوب ولا تملك رده النفوس .

( فأقم وجهك للدين حنيفا ) . . واتجه إليه مستقيما . فهذا الدين هو العاصم من الأهواء المتفرقة التي لا تستند على حق ، ولا تستمد من علم ، إنما تتبع الشهوات ، والنزوات بغير ضابط ولا دليل . . أقم وجهك للدين حنيفا مائلا عن كل ما عداه ، مستقيما على نهيه دون سواه :

( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ) . . وبهذا يربط بين فطرة النفس البشرية وطبيعة هذا الدين ؛ وكلاهما من صنع الله ؛ و كلاهما موافق لناموس الوجود ؛ وكلاهما متناسق مع الآخر في طبيعته واتجاهه . والله الذي خلق القلب البشري هو الذي أنزل إليه هذا الدين ليحكمه ويصرفه ويطب له من المرض ويقومه من الانحراف . وهو أعلم بمن خلق وهو اللطيف الخبير . والفطرة ثابتة والدين ثابت : ( لا تبديل لخلق الله ) . فإذا انحرفت النفوس عن الفطرة لم يردها إليها إلا هذا الدين المتناسق مع الفطرة . فطرة البشر وفطرة الوجود .

ذلك الدين القيم . ولكن أكثر الناس لا يعلمون . . فيتبعون أهواءهم بغير علم ويضلون عن الطريق الواصل المستقيم .

والتوجيه بإقامة الوجه للدين القيم ، ولو أنه موجه إلى الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] إلا أن المقصود به جميع المؤمنين . لذلك يستمر التوجيه لهم مفصلا معنى إقامة الوجه للدين :

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗاۚ فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيۡهَاۚ لَا تَبۡدِيلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (30)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن لم يوحد كفار مكة ربهم، فوحد أنت ربك يا محمد، {فأقم وجهك للدين} يعني فأخلص دينك الإسلام لله عز وجل.

{حنيفا} يعني مخلصا {فطرت الله التي فطر الناس عليها} يعني ملة الإسلام التوحيد الذي خلقهم عليه، ثم أخذ الميثاق من بني آدم من ظهورهم ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى ربنا، وأقروا له بالربوبية والمعرفة له تبارك وتعالى.

{لا تبديل لخلق الله}: لا تحويل لدين الله عز وجل الإسلام.

{ذلك الدين القيم} يعني التوحيد وهو الدين المستقيم.

{ولكن أكثر الناس} يعني كفار مكة {لا يعلمون} توحيد الله عز وجل...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: فسدّد وجهك نحو الوجه الذي وجهك إليه ربك يا محمد لطاعته، وهي الدين، حنيفا يقول: مستقيما لدينه وطاعته، "فطرة الله التي فطر الناس عليها "يقول: صنعةَ الله التي خلق الناس عليها... قال ابن زيد، في قوله "فِطْرَةَ اللّهِ التي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها" قال: الإسلام مذ خلقهم الله من آدم جميعا، يقرّون بذلك، وقرأ: "وَإذْ أخَذَ رَبّكَ منْ بَنِي آدَمَ منْ ظُهُورِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ، وأشْهَدَهُمْ على أنْفُسِهمْ، ألَسْتُ برَبّكُمْ؟ قالُوا بَلَى شَهِدْنا" قال: فهذا قول الله: "كانَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً، فَبَعَثَ اللّهُ النّبِيّينَ" بعد...

وقوله "لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ" يقول: لا تغيير لدين الله: أي لا يصلح ذلك، ولا ينبغي أن يفعل...

وقوله: "ذلكَ الدّينُ القَيّمُ" يقول تعالى ذكره: إن إقامتك وجهك للدين حنيفا غير مغير ولا مبدّل هو الدين القيم، يعني المستقيم الذي لا عوج فيه عن الاستقامة من الحنيفية إلى اليهودية والنصرانية، وغير ذلك من الضلالات والبدع المحدثة.

وقد وجّه بعضهم معنى الدين في هذا الموضع إلى الحساب...

"وَلَكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ" يقول تعالى ذكره: ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الدين الذي أمرتك يا محمد به بقولي "فأَقمِ وَجْهَكَ للدّينِ حَنِيفا" هو الدين الحقّ دون سائر الأديان غيره.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{فأقم وجهك للدين حنيفا} هو لكل أحد، ثم الإقامة تحتمل وجهين: أحدهما: أقم: أي داوم جهدك وقصدك. والثاني: أقم: أتمم، وأقم ما ذكرنا.

{للدين حنيفا} قال بعضهم: الحنيف من حَنَفِ القدم وميله؛ معناه: كن مائلا على الدين في كل حال وكل وقت.

ثم فسر ذلك فقال: {فطرة الله التي فطر الناس عليها} هذا يحتمل وجوها:...

الثاني: فطرهم، وجبلهم ما لو تركوا وعقولهم لكانوا على [ما] جبلوا، وفطروا، إذ فطر كل منهم، وجعل في خلقة كل دلالة وحدانية الله وربوبيته. وكذلك قوله: (كل مولود يولد على الفطرة) [البخاري 1385] أي على الخلقة التي تدل، وتشهد على وحدانية الله وربوبيته ما لو تركوا، وخلي بينهم وبين عقولهم لأدركوا.

الثالث: فطرهم على ما يحتملون الامتحان.

{لا تبديل لخلق الله} أي لما فيه دلالة وحدانية الله وشهادة ربوبيته كقوله: {ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت} [الملك: 3] أي لا تفاوت في ما فيه دلالة الوحدانية والشهادة له.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

ومعنى الفطر: الشق ابتداء، يقولون: أنا فطرت هذا الشيء، أي أنا ابتدأته، والمعنى: خلق الله الخلق للتوحيد والاسلام...

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

وردت الفطرة بمعنى السنة...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينَ} فقوِّم وجهك له وعدِّله، غير ملتفت عنه يميناً ولا شمالاً، وهو تمثيل لإقباله على الدين، واستقامته عليه، وثباته، واهتمامه بأسبابه، فإنّ من اهتم بالشيء عقد عليه طرفه، وسدّد إليه نظره، وقوّم له وجهه، مقبلاً به عليه.

{حَنِيفاً} حال من المأمور، أو من الدين.

{فِطْرَتَ الله} أي الزموا فطرة الله. أو عليكم فطرة الله. وإنما أضمرته على خطاب الجماعة لقوله: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ}...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وذكر الوجه لأنه جامع حواس الإنسان وأشرفه...

لا تبديل للمعتقدات التي هي في الدين الحنيف فإن كل شريعة هي عقائدها...

{القيم} بناء مبالغة من القيام الذي هو بمعنى الاستقامة...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{فأقم وجهك للدين} أي أقبل بكلك على الدين عبر عن الذات بالوجه كما قال تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} أي ذاته بصفاته.

{حنيفا} أي مائلا عن كل ما عداه أي أقبل على الدين ومل عن كل شيء أي لا يكون في قلبك شيء آخر فتعود إليه.

{لا تبديل لخلق الله} فيه وجوه، قال بعض المفسرين هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عن الحزن حيث لم يؤمن قومه فقال هم خلقوا للشقاوة ومن كتب شقيا لا يسعد، وقيل: {لا تبديل لخلق الله} أي الوحدانية مترسخة فيهم لا تغير لها حتى إن سألتهم من خلق السماوات والأرض يقولون الله، لكن الإيمان الفطري غير كاف.

ويحتمل أن يقال خلق الله الخلق لعبادته وهم كلهم عبيده لا تبديل لخلق الله أي ليس كونهم عبيدا مثل كون المملوك عبدا لإنسان فإنه ينتقل عنه إلى غيره ويخرج عن ملكه بالعتق بل لا خروج للخلق عن العبادة والعبودية، وهذا لبيان فساد قول من يقول العبادة لتحصيل الكمال والعبد يكمل بالعبادة فلا يبقى عليه تكليف، وقول المشركين: إن الناقص لا يصلح لعبادة الله، وإنما الإنسان عبد الكواكب والكواكب عبيد الله، وقول النصارى إن عيسى كان يحل الله فيه وصار إلها فقال: {لا تبديل لخلق الله} بل كلهم عبيد لا خروج لهم عن ذلك.

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

والفطرة: هي الحال التي خلق الله الناس عليها من القابلية للحق، والتهيئ لإدراكه...

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

{فَأَقِمْ وَجْهَكَ} أي: انصبه ووجهه إلى الدين الذي هو الإسلام والإيمان والإحسان بأن تتوجه بقلبك وقصدك وبدنك...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وعند هذا الحد يفرغ من أمر هؤلاء الذين يتبعون أهواءهم المتقلبة المضطربة؛ ويتجه بالخطاب إلى الرسول [صلى الله عليه وسلم] ليستقيم على دين الله الثابت المستند على فطرة الله التي فطر الناس عليها؛ وهو عقيدة واحدة ثابتة لا تتفرق معها السبل كما تفرق المشركون شيعا وأحزابا مع الأهواء والنزوات! (فأقم وجهك للدين حنيفا. فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله. ذلك الدين القيم. ولكن أكثر الناس لا يعلمون. منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين. من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون)..

هذا التوجيه لإقامة الوجه للدين القيم يجيء في موعده، وفي موضعه، بعد تلك الجولات في ضمير الكون ومشاهده، وفي أغوار النفس وفطرتها.. يجيء في أوانه وقد تهيأت القلوب المستقيمة الفطرة لاستقباله، كما أن القلوب المنحرفة قد فقدت كل حجة لها وكل دليل، ووقفت مجردة من كل عدة لها وكل سلاح.. وهذا هو السلطان القوي الذي يصدع به القرآن. السلطان الذي لا تقف له القلوب ولا تملك رده النفوس.

(فأقم وجهك للدين حنيفا).. واتجه إليه مستقيما. فهذا الدين هو العاصم من الأهواء المتفرقة التي لا تستند على حق، ولا تستمد من علم، إنما تتبع الشهوات، والنزوات بغير ضابط ولا دليل.. أقم وجهك للدين حنيفا مائلا عن كل ما عداه، مستقيما على نهيه دون سواه.

(فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله).. وبهذا يربط بين فطرة النفس البشرية وطبيعة هذا الدين؛ وكلاهما من صنع الله؛ و كلاهما موافق لناموس الوجود؛ وكلاهما متناسق مع الآخر في طبيعته واتجاهه. والله الذي خلق القلب البشري هو الذي أنزل إليه هذا الدين ليحكمه ويصرفه ويطب له من المرض ويقومه من الانحراف. وهو أعلم بمن خلق وهو اللطيف الخبير. والفطرة ثابتة والدين ثابت (لا تبديل لخلق الله). فإذا انحرفت النفوس عن الفطرة لم يردها إليها إلا هذا الدين المتناسق مع الفطرة. فطرة البشر وفطرة الوجود. ذلك الدين القيم.

ولكن أكثر الناس لا يعلمون.. فيتبعون أهواءهم بغير علم ويضلون عن الطريق الواصل المستقيم. والتوجيه بإقامة الوجه للدين القيم، ولو أنه موجه إلى الرسول [صلى الله عليه وسلم] إلا أن المقصود به جميع المؤمنين...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

الفاء فصيحة. والتقدير: إذا علمت أحوال المعرضين عن دلائل الحق فأقم وجهك للدين. والأمر مستعمل في طلب الدوام. والمقصود: أن لا تهتم بإعراضهم.

والتعريف في {الدين} للعهد وهو دينهم الذي هم عليه وهو دين الإسلام.

{حنيفاً} يجوز أن يكون حالاً من الضمير المستتر في فعل {أقم} فيكون حالاً للنبي صلى الله عليه وسلم كما كان وصفاً لإبراهيم عليه السلام في قوله تعالى {إن إبراهيم كان أمةً قانتاً لله حنيفاً} [النحل: 120]، وهذا هو الأظهر في تفسيره. ويجوز كونه حالاً من الدين على ما فسر به الزجاج فيكون استعارة بتشبيه الدين برجل حنيف في خلوّه من شوائب الشرك، فيكون الحنيف تمثيلية وفي إثباته للدين استعارة تصريحية. وحنيف: صيغة مبالغة في الاتصاف بالحَنَف وهو الميْل، وغلب استعمال هذا الوصف في الميل عن الباطل.

{فطرة الله} بدل من {حنيفاً} بدل اشتمال فهو في معنى الحال من {الدين} أيضاً وهو حال ثانية فإن الحال كالخبر تتعدد بدون عطف على التحقيق عند النحاة. وهذا أحسن لأنه أصرح في إفادة أن هذا الدين مختص بوصفين هما: التبرؤ من الإشراك، وموافقتُه الفطرة، فيفيد أنه دين سمح سهل لا عنت فيه، ونظيره قوله تعالى {ولم يجعل له عِوجاً قيّماً} [الكهف: 1، 2] أي الدين الذي هو فطرة الله لأن التوحيد هو الفطرة، والإشراك تبديلٌ للفطرة.

الفطرة أصله اسم هيئة من الفَطْر وهو الخَلْق مثل الخِلقة كما بيّنه قوله {التي فَطَرَ الناس عليها} أي جَبَلَ الناسَ وخلقهم عليها، أي متمكنين منها. فحرف الاستعلاء مستعار لتمكن ملابسة الصفة بالموصوف تمكناً يشبه تمكن المعتلي على شيء، وقد تقدم نظيره في قوله تعالى {أولئك على هدى من ربهم} في سورة البقرة (5)، وحقيقة المعنى: التي فطر الناس بها. ومعنى فطر الناس على الدين الحنيف أن الله خلق الناس قابلين لأحكام هذا الدين وجعل تعاليمه مناسبة لخلقتهم غير مجافية لها، غير نائين عنه ولا منكرين له مثل إثبات الوحدانية لله لأن التوحيد هو الذي يساوق العقل والنظر الصحيح حتى لو ترك الإنسان وتفكيره ولم يلقَّن اعتقاداً ضالاً لاهتدى إلى التوحيد بفطرته.

وإذ لم أر من أتقن الإفصاح عن معنى كون الإسلام هو الفطرة فأبينه: بأن الفطرة هي النظام الذي أوجده الله في كل مخلوق، والفطرة التي تخص نوع الإنسان هي ما خلقه الله عليه جسداً وعقلاً، فمشي الإنسان برجليه فطرة جسدية، ومحاولته أن يتناول الأشياء برجليه خلاف الفطرة الجسدية، واستنتاج المسببات من أسبابها والنتائج من مقدماتها فطرة عقلية، ومحاولة استنتاج أمر من غير سببه خلاف الفطرة العقلية وهو المسمى في علم الاستدلال بفساد الوضع، وجزمنا بأن ما نبصره من الأشياء هو حقائق ثابتة في الوجود ونفس الأمر فطرة عقلية، وإنكار السوفسطائية ثبوت المحسوسات في نفس الأمر خلاف الفطرة العقلية.

فوصف الإسلام بأنه فطرة الله معناه أن أصل الاعتقاد فيه جار على مقتضى الفطرة العقلية، وأما تشريعاته وتفاريعه فهي: إما أمور فطرية أيضاً، أي جارية على وفق ما يدركه العقل ويشهد به، وإما أن تكون لصلاحه مما لا ينافي فطرته. وقوانين المعاملات فيه هي راجعة إلى ما تشهد به الفطرة لأن طلب المصالح من الفطرة.

وكونُ الإسلام هو الفطرة، وملازمة أحكامه لمقتضيَات الفطرة صفة اختص بها الإسلام من بين سائر الأديان في تفاريعه، أما أصوله فاشتركت فيها الأديان الإلهية، وهذا ما أفاده قوله {ذلك الدين القيّم.} فالإسلام عام خالد مناسب لجميع العصور وصالح بجميع الأمم، ولا يستتب ذلك إلا إذا بنيت أحكامه على أصول الفطرة الإنسانية ليكون صالحاً للناس كافة وللعصور عامة وقد اقتضى وصف الفطرة أن يكون الإسلام سمحاً يُسْراً لأن السماحة واليسر مبتغى الفطرة.

وفي قوله {التي فطر الناس عليها} بيان لمعنى الإضافة في قوله {فطرة الله} وتصريح بأن الله خلق الناس سالمةٌ عقولهم مما ينافي الفطرة من الأديان الباطلة والعادات الذميمة، وأن ما يدخل عليهم من الضلالات ما هو إلا من جرَّاء التلقي والتعود، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "يولد الولد على الفطرة ثم يكون أبواه هما اللذان يهودانه أو ينصِّرانه أو يُمجسانه كما تُنتَجُ البهيمةُ بهيمةً جمعاء هل تُحِسُّون فيها من جَدعاء "أي كما تولد البهيمة من إبل أو بقر أو غنم كاملة جمعاء أي بذيلها، أي تُولد كاملة ويعمد بعض الناس إلى قطع ذيلها وجدعه وهي الجدعاء، و (تُحسون) تدركون بالحس، أي حاسّة البصر. فجعل اليهودية والنصرانية مخالفة الفطرة، أي في تفاريعهما. وفي « صحيح مسلم» أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه: "وإني خلقت عبادي حُنفاء كلهم أي غير مشركين وأنهم أتتهم الشياطين فأجالتهم عن دينهم وحرَّمت عليهم ما أحلَلْتُ لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً" الحديث.

وجملة {لا تبديل لخلق الله} مبيِّنة لمعنى {فطرة الله التي فطر الناس عليها} فهي جارية مجرى حال ثالثة من {الدّين} على تقدير رابط محذوف. والتقدير: لا تبديل لخلق الله فيه، أي في هذا الدين، فهو كقوله في حديث أم زرع في قول الرابعة: زوجي كلَيْل تهامة لا حرَّ ولا قُرَّ ولا مخافة ولا سآمة أي في ذلك الليل.

فمعنى {لا تبديل لخلق الله} أنه الدين الحنيف الذي ليس فيه تبديل لخلق الله خلاف دين أهل الشرك، قال تعالى عن الشيطان: {ولآمرنهم فَلُيغيِّرُنَّ خلقَ الله} [النساء: 119].

ويجوز أن تكون جملة {لا تبديل لخلق الله} معترضة لإفادة النهي عن تغيير خلق الله فيما أودعه الفطرة. فتكون {لا تبديل لخلق الله} خبراً مستعملاً في معنى النهي على وجه المبالغة كقوله {لا تَقْتُلوا أنفسكم} [النساء: 29]. فنفي الجنس مراد به جنس من التبديل خاص بالوصف لا نفي وقوع جنس التبديل فهو من العام المراد به الخصوص بالقرينة.

واسم الإشارة لزيادة تمييز هذا الدين مع تعظيمه.

و القيِّم: وصف بوزن فَيْعِل مثل هيِّن وليِّن يفيد قوة الاتصاف بمصدره، أي البالغ قوة القيام مثل استقام الذي هو مبالغة في قام كاستجاب.

والقيام: حقيقته الانتصابُ ضد القعود والاضطجاع، ويطلق مجازاً على انتفاء الاعوجاج يقال: عود مستقيم وقيم، فإطلاق القيم على الدين تشبيه انتفاء الخطإ عنه باستقامة العود وهو من تشبيه المعقول بالمحسوس، كما في قوله تعالى: {ولم يجعل له عِوجاً قيماً} [الكهف: 1، 2] وقال تعالى: في سورة براءة (36). ويطلق أيضاً على الرعاية والمراقبة والكفالة بالشيء لأنها تستلزم القيام والتعهد قال تعالى {أفَمَنْ هو قائم على كل نفس بما كسبت} [الرعد: 33]، إن هذا الكتاب معصوم عن الخطأ ومتكفل بمصالح الناس، وشاهد على الكتب السالفة تصحيحاً ونسخاً قال تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه} وتقدم في طالع سورة المائدة (48)، وهذا الدين به قوام أمر الأمة. قال عمر بن الخطاب لمعاذ بن جبل: يا معاذ ما قِوام هذه الأمة؟ قال: الإخلاص وهو الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والصلاة وهي الدين، والطاعة وهي العصمة، فقال عمر: صدقت. يريد معاذٌ بالإخلاص التوحيد كقوله تعالى {مخلصين له الدين حنفاء} [البينة: 5].

والاستدراك في قوله {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} لدفع توهم واهِم يقول إذا كان هو دين الفطرة وهو القيِّم فكيف أعرض كثير من الناس عنه بعد تبليغه، فاستدرك ذلك بأنهم جهال لا علم عندهم فإن كان قد بلغهم فإنهم جهلوا معانيه لإعراضهم عن التأمل ولا يعلمون منه إلا ما لا يفيدهم مُهمهم لأنهم لم يسعوا في أن يَبلغهم على الوجه الصحيح؛ ففعل {لا يعلمون} غير متطلب مفعولاً بل هو منزل منزلة اللازم لأن المعنى لا علم عندهم على نحو ما قرر في نظيره في أول هذه السورة.

{أكثر الناس} المشركون إذ أعرضوا عن دعوة الإسلام، وأهلُ الكتاب إذ أبوا اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ومفارقة أديانهم بعد إبطالها لانتهاء صلاحية تفاريعها بانقضاء الأحوال التي شرعت لها انقضاء لا مطمع بعده لأن تعود. ومقابل {أكثر الناس} هم المؤمنون، وشرذمة من علماء أهل الكتاب علموا أحقية الإسلام وبقُوا على أديانهم عناداً: فهم يعلمون ويكابرون، أو تحيُّراً: فهم في شك بين علم وجهل...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

الخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد، ما دام الأمر كذلك، وما داموا قد اتبعوا أهواءهم وضلوا، وأصروا على ضلالهم، فدعك منهم ولا تتأثر بإعراضهم.

الحنيف: مائل الساقين فترى في رجله انحناء للداخل، يقال: في قدمه حنف أي ميل، فالمعنى: فأقم وجهك للدين مائلا عن هذا الفساد، ومائلا عن هذا الشرك، وهذه الوثنية التي جئت لهدمها والقضاء عليها.

(أقم) هنا بمعنى: أقيموا

{فطرت الله التي فطر الناس عليها} فنحن نرى البشر يتخذون الطعوم والأمصال للتحصين من الأمراض، كذلك الحق سبحانه- وله المثل الأعلى- جعل هذا المصل التطعيمي في كل نفس بشرية، حتى في التكوين المادي. ألا ترى قوله تعالى في تكوين الإنسان: {يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة} (الحج 5) فالمخلقة هي التي تكون الأعضاء، وغير المخلقة هي الرصيد المختزن في الجسم، وبه يعوض أي خلل في الأعضاء المخلقة، فهي التي تمده بما يصلحه، كذلك في القيم جاء دين الله فطرت الله التي فطر الناس عليها، فإذا تدخلت الأهواء وحدثت الغفلة جاءت المناعة، إما من ذات النفس، وإما من المجتمع، وإما برسول ومنهج جديد. وقد كرم الله أمة محمد بأن يكون رسولها خاتم الرسل، فهذه بشرى لنا بأن الخير باق فينا، ولا يزال إلى يوم القيامة، ولن يفسد مجتمع المسلمين أبدا بحيث يفقد كله هذه المناعة، فإذا فسدت فيه طائفة وجدت أخرى تقومها، وهذا واضح في قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تزل طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك". وقال صلى الله عليه وسلم: "الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة". وإلا لو عم الفساد هذه الأمة لاقتضى الأمر شيئا آخر.

وحين نقرأ الآية نجد أن كلمة {فطرت} منصوبة، ولم يتقدم عليها ما ينصبها، فلماذا نصبت؟ الأسلوب هنا يريد أن يلفتك لسبب النصب، وللفعل المحذوف هنا، لتبحث عنه بنفسك، فكأنه قال: فأقم وجهك للدين حنيفا والزم فطرت الله التي فطر الناس عليها. لذلك يسمى علماء النحو هذا الأسلوب أسلوب الإغراء، وهو أن أغريك بأمر محبوب وأحثك على فعله، كذلك الحق سبحانه يغرى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم الله عليه وسلم بأن يقيم وجهه نحو الدين الخالص، وأن يلزم فطرت الله، وألا يلفت إلى هؤلاء المفسدين، أو المعوقين له.

والفطرة: يعني الخلقة كما قال سبحانه: {فاطر السماوات والأرض} (يوسف 101) يعني: خالقها، والفطرة المرادة هنا قوله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (الذاريات 56) فالزم هذه الفطرة، واعلم أنك مخلوق للعبادة. أو: أن فطرت الله تعني: الطبيعة التي أودعها الله في تكوينك منذ خلق الله آدم، وخلق منه ذريته، وأشهدهم على أنفسهم {ألست بربكم قالوا بلى} (الأعراف 172).

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗاۚ فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيۡهَاۚ لَا تَبۡدِيلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (30)

ولما تحررت الأدلة ، وانتصبت الأعلام ، واتضحت الخفايا ، وصرحت الإشارات ، وأفصحت ألسن العبارات ، أقبل على خلاصة الخلق ، إيذاناً بأنه لا يفهم ذلك حق فهمه غيره ، فقال{[52999]} مسبباً عن ذلك ممثلاً لإقباله{[53000]} واستقامته وثباته : { فأقم وجهك } أي قصدك كله { للدين } أي نصباً بحيث تغيب عما سواه ، فلا تلتفت عنه أصلاً فلا تنفك عن المراقبة ، فإن من اهتم بشيء سدد إليه نظره ، وقوم له وجهه .

ثم عرض بجلافة{[53001]} أهل الضلال وغشاوتهم ، وكثافتهم وغباوتهم ، وجمودهم وقساوتهم ، بقوله : { حنيفاً } أي حال كونك ميالاً مع الدليل هيناً{[53002]} ليناً نافذ البصر نير{[53003]} البصيرة ساري الفكر سريع الانتقال طائر الخاطر ، ثم بين أن هذا الأمر في طبع كل أحد{[53004]} وإن كانوا فيه متفاوتين كما تراهم إذا كانوا صغاراً أسهل شيء انقياداً ، ولكنه لما يكشف لهم الحال في كثير من الأشياء عن أن{[53005]} انقيادهم كان خطأ يصيرون{[53006]} يدربون أنفسهم على المخالفة دائماً حتى تصير لبعضهم طبعاً تجريباً فيصير أقسى{[53007]} شيء وأجمده{[53008]} بعد أن كان أسهل شيء وأطوعه ، وأكثر ما يكون هذا من قرناء السوء الذين يقولون ما لا يفعلون ، ولهذا نهى أن يوعد الطفل بما لا حقيقة له : روى أحمد{[53009]} وابن أبي الدنيا من{[53010]} طريق الزهري عن أبي هريرة رضي الله عنه - قال المنذري{[53011]} : ولم يسمع منه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قال لصبي : تعال{[53012]} هاك ! ثم{[53013]} لم يعطه فهي كذبة " ، ولأبي داود{[53014]} والبيهقي وابن أبي الدنيا عن مولى عبد الله بن عامر - {[53015]}قال ابن أبي الدنيا : زياد عن عبد الله بن عامر{[53016]} - أن أمه رضي الله عنها قالت له : تعالَ{[53017]} أعطيك ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أردت أن تعطيه ؟ قالت : تمراً ، فقال : أما إنك لو لم تعطيه شيئاً كتبت عليك كذبة{[53018]} " ، فقال تعالى مبيناً لهم صحة دينه بأمر هو في{[53019]} أنفسهم ، كما بين بطلان دينهم بأمر هو في أنفسهم : { فطرت الله } أي الزم فطرة الملك الذي لا رادَّ لأمره ، وهي الخلقة الأولى{[53020]} التي خلق عليها البشر والطبع الأول ، وقال الغزالي في آخر كتاب العلم من الإحياء{[53021]} في بيان العقل في هذه الآية : أي كل آدمي فطر على الإيمان بالله تعالى بل على معرفة الأشياء على ما هي عليه ، أعني أنها كالمتضمنة فيه{[53022]} لقرب استعداده{[53023]} للإدراك - انتهى{[53024]} ، ثم أكد ذلك بقوله : { التي فطر الناس } أي كل من له أهلية التحرك{[53025]} { عليها } كلهم الأشقياء والسعداء ، و{[53026]}هي سهولة الانقياد وكرم الخلق الذي هو في الصورة فطرة الإسلام ، وتحقيق ذلك أن المشاهد من جميع الأطفال سلامة الطباع وسلاسة{[53027]} الانقياد لظاهر الدليل{[53028]} ، ليس منهم في ذلك عسر كما في الكبار إن تفاوتوا في ذلك ، فالمراد بالفطرة قبولهم للحق وتمكنهم من إدراكه ، كما تجد الأخرس يدرك أمر{[53029]} المعاد إدراكاً بيناً ، وله فيه ملكة راسخة ، وهذا المعنى هو الذي أشار إليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين وحديث ابن عباس رضي الله عنهما عند أحمد بن منيع أن النبي صلى الله عليه وسلم{[53030]} قال :

" كل مولود يولد {[53031]}على الفطرة{[53032]} " - وفي رواية للبخاري{[53033]} : " ما من مولود إلا يولد على الفطرة - فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء{[53034]} ، هل{[53035]} تجدون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها " فلذلك الجدع والوسم وشق الأذن ونحو ذلك مثالٌ للأخلاق{[53036]} التي يتعلمها الطفل ممن يعامله بها من الغش والكذب وغير ذلك ، وكذا حديث عياض بن حمار{[53037]} المجاشعي{[53038]} رضي الله عنه في مسلم في صفة النار{[53039]} والنسائي في فضائل القرآن وأبي داؤد الطالسي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كل مال نحلته{[53040]} عبداً حلال{[53041]} ، وإني خلقت عبادي " {[53042]}حنفاء كلهم{[53043]} " وأنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم{[53044]} عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم ، وآمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانه " ولكن الشيطان لا يتمكن إلا بإقدار الله له في الحال بما يخلق في باطن المخذول من الباعث وفي الماضي من الطبائع التي هيأه بها لمثل ذلك كما أشار إليه قوله صلى الله عليه وسلم المتفق عليه في الصحيح عن علي رضي الله تعالى عنه : "

اعملوا فكل ميسر لما خلق له{[53045]} " وآية{[53046]} سبحان{[53047]}

{ كل يعمل على شاكلته }[ الإسراء : 84 ] وذلك أنه لما أخبرهم صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قد كتب أهل الجنة وأهل النار ، فلا يزاد فيهم{[53048]} ولا ينقص ، قالوا : أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل ؟ فالكتاب حجة عليهم ، لأن مبناه على أن فلاناً من أهل النار لكونه لم يعمل كذا وكذا ، فأرادوا أن يجعلوه حجة لهم فاعلموا أن في ذلك أمرين لا يبطل أحدهما الآخر : باطن هو العلة الموجبة في حكم الربوبية وهو العلم ، وظاهر هو {[53049]}السمة اللازمة{[53050]} في حق العبودية وهو العمل ، وهو أمارة مخيلة غير مفيدة حقيقة العلم ، عولموا{[53051]} بذلك ليتعلق خوفهم بالباطن المغيب عنهم ، ورجاؤهم بالظاهر البادي لهم ، والخوف والرجاء مدرجتا العبودية ليستكملوا بذلك صفة الإيمان ، ونظير ذلك أمران : الرزق المقسوم مع الأمر بالمكسب ، والأجل المحتوم مع المعالجة{[53052]} {[53053]}بالطب ، فالمغيب{[53054]} فيهما علة موجبة والظاهر سبب مخيل ، وقد اصطلح خواصهم وعوامهم على أن الظاهر منهما لا يترك بالباطن - ذكر معناه الرازي في اللوامع عن الخطابي .

ولما كانت سلامة الفطرة الأولى أمراً{[53055]} مستمراً ، قال : { لا تبديل } ولعظم المقام كرر الاسم الأعظم فقال : { لخلق الله } أي الملك الأعلى الذي لا كفوء له ، لا يقدر أحد{[53056]} أن يجعل طفلاً في أول أمره خبيث الفطرة لا ينقاد لما يقاد{[53057]} إليه ولا يستسلم لمن يربيه ، وكلما{[53058]} كبر وطعن في السن رجع لما طبع عليه من كفر أو

إيمان ، أو طاعة أو عصيان ، أو {[53059]}نكر أو عرفان{[53060]} ، قليلاً قليلاً ، حتى ينساق{[53061]} إلى ذلك عند البلوغ أو بعده ، فإن مات قبل ذلك الجوزي بما كان الله يعلمه منه أنه{[53062]} يعمله طبعياً ويموت عليه كالغلام الذي قتله الخضر عليه السلام صح الخبر بأنه طبع على الكفر ، ولا يعذب بما يكون عارضاً منه ويعلم أنه سيكون لو كان كأبوي الغلام لما وقع التصريح به من أنه لو عاش لأرهقهما طغياناً وكفراً ، فقد علم منهما الكفر حينئذ فلم يؤاخذا به لأنه عارض لا طبعي ، فالعبرة بالموت ، ومن طبع على شيء لم يمت على غيره ، فحقق هذا تعلم أنه لا تنافي بين شيء من النصوص لا من الكتاب{[53063]} ولا من السنة - والله الهادي .

ولما كان الميل مع{[53064]} الدليل كيفما مال أمراً لا يكتنه قدره ولا ينال إلا بتوفيق من الله ، أشار إلى عظمته بقوله : { ذلك } أي الأمر العظيم و{[53065]} هو الاهتزاز للدليل واتباع ما يشير إليه ويحث عليه { الدين القيِّم } الذي لا عوج فيه { ولكن أكثر الناس } قد تدربوا في اتباع الأهوية لما تقدم من الشبه{[53066]} فصاروا بحيث { لا يعلمون } أي لا علم لهم أصلاً حتى يميزوا الحق من الباطل لما غلب عليهم من الجفاء .


[52999]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: قال.
[53000]:سقط من ظ.
[53001]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بخلافة.
[53002]:في م ومد: هشا.
[53003]:من م ومد، وفي الأصل وظ: بين.
[53004]:في ظ ومد: واحد.
[53005]:زيد من م ومد.
[53006]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: يصرون.
[53007]:في ظ ومد: أعسى.
[53008]:في ظ ومد: أجهده.
[53009]:راجع مسنده 2/452.
[53010]:في ظ: عن.
[53011]:أراه في الترغيب والترهيب.
[53012]:من ظ وم ومد والمسند، وفي الأصل: تعالى.
[53013]:من ظ وم ومد المسند، وفي الأصل "و".
[53014]:راجع سننه 2/198.
[53015]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.
[53016]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.
[53017]:من ظ وم ومد والسنن، وفي الأصل: تعالى.
[53018]:وأخرجه الإمام أحمد أيضا في مسنده 3/447.
[53019]:في ظ ومد: من.
[53020]:زيد من ظ وم ومد.
[53021]:1/64.
[53022]:في الإحياء: فيها.
[53023]:في الإحياء: استعدادها.
[53024]:زيد من ظ ومد.
[53025]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: التحر.
[53026]:سقطت الواو من ظ.
[53027]:من م ومد، وفي الأصل وظ: سلامة.
[53028]:زيد من ظ وم ومد.
[53029]:زيد من ظ ومد.
[53030]:والحديث من الشهرة بحيث يغنينا عن التعليق عليه.
[53031]:سقط ما بين الرقمين من م ومد.
[53032]:سقط ما بين الرقمين من م ومد.
[53033]:أوردها في تفسير هذه الآية من سورة الروم: 2/704.
[53034]:سقط من ظ.
[53035]:من المراجع، وفي الأصل: حتى.
[53036]:في ظ: الأخلاق.
[53037]:من م ومد والتهذيب، وفي الأصل: حماد، وفي ظ: عمار.
[53038]:في ظ: المحاسبي.
[53039]:باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار.
[53040]:من م ومد وصحيح مسلم، وفي الأصل وظ: يخلقة.
[53041]:في ظ: حلالا.
[53042]:من م ومد وصحيح مسلم، وفي الأصل وظ: كلهم حنفاء.
[53043]:من م ومد وصحيح مسلم، وفي الأصل وظ: كلهم حنفاء.
[53044]:من المراجع، وفي الأصل: فاحتالهم.
[53045]:والحديث من الشهرة بحيث يغنينا عن التعليق عليه.
[53046]:رقم 84.
[53047]:زيد في ظ "قل".
[53048]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: فيه.
[53049]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: السنة اللازم.
[53050]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: السنة اللازم.
[53051]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: عملوا.
[53052]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: المعاجلة.
[53053]:في ظ: بالطيب والمغيب.
[53054]:في ظ: بالطيب والمغيب.
[53055]:سقط من ظ.
[53056]:سقط من ظ.
[53057]:من م ومد، وفي الأصل وظ: ينقاد.
[53058]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: لما.
[53059]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: نكرا أو عرفانا.
[53060]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: نكرا أو عرفانا.
[53061]:سقط من ظ ومد.
[53062]:في ظ: بأنه.
[53063]:ومن هنا سقطت صفحتان من مد.
[53064]:زيد في ظ: أن.
[53065]:في ظ: الذي.
[53066]:في ظ: الشيعة، وفي م: الشبهة.