{ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ } أي : مذللة بالعمل ، { تُثِيرُ الْأَرْضَ } بالحراثة { وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ } أي : ليست بساقية ، { مُسَلَّمَةٌ } من العيوب أو من العمل { لَا شِيَةَ فِيهَا } أي : لا لون فيها غير لونها الموصوف المتقدم .
{ قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ } أي : بالبيان الواضح ، وهذا من جهلهم ، وإلا فقد جاءهم بالحق أول مرة ، فلو أنهم اعترضوا أي : بقرة لحصل المقصود ، ولكنهم شددوا بكثرة الأسئلة فشدد الله عليهم ، ولو لم يقولوا " إن شاء الله " لم يهتدوا أيضا إليها ، { فَذَبَحُوهَا } أي : البقرة التي وصفت بتلك الصفات ، { وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } بسبب التعنت الذي جرى منهم .
ولم يكن بد كذلك أن يزيد الأمر عليهم مشقة وتعقيدا ، وأن تزيد دائرة الاختيار المتاحة لهم حصرا وضيقا ، بإضافة أوصاف جديدة للبقرة المطلوبة ، كانوا في سعة منها وفي غنى عنها :
( قال : إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث ، مسلمة لا شية فيها ) .
وهكذا لم تعد بقرة متوسطة العمر . صفراء فاقع لونها فارهة فحسب . بل لم يعد بد أن تكون - مع هذا - بقرة غير مذللة ولا مدربة على حرث الأرض أو سقي الزرع ؛ وأن تكون كذلك خالصة اللون لا تشوبها علامة .
هنا فقط . . وبعد أن تعقد الأمر ، وتضاعفت الشروط ، وضاق مجال الاختيار :
( قالوا : الآن جئت بالحق ) . .
الآن ! كأنما كان كل ما مضى ليس حقا . أو كأنهم لم يستيقنوا أن ما جاءهم به هو الحق إلا اللحظة ! ( فذبحوها وما كادوا يفعلون ) ! !
{ قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث } أي لم تذلل لكراب الأرض وسقي الحرث ، و{ لا ذلول } صفة لبقرة بمعنى غير ذلول ، ولا الثانية مزيدة لتأكيد الأولى والفعلان صفتا ذلول كأنه قيل : لا ذلول مثيرة وساقية ، وقرئ لا ذلول بالفتح أي حيث هي ، كقولك مررت برجل لا بخيل ولا جبان ، أي حيث هو ، وتسقي من أسقى .
{ مسلمة } سلمها الله تعالى من العيوب ، أو أهلها من العمل ، أو أخلص لونها ، من سلم له كذا إذا خلص له { لا شية فيها } لا لون فيها يخالف لون جلدها ، وهي في الأصل مصدر ، وشاه وشيا وشية إذا خلط بلونه لونا آخر .
{ قالوا الآن جئت بالحق } أي بحقيقة وصف البقرة وحققتها لنا ، وقرئ { الآن } بالمد على الاستفهام ، ولان بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على السلام . { فذبحوها } فيه اختصار ، والتقدير : فحصلوا البقرة المنعوتة فذبحوها .
{ وما كادوا يفعلون } لتطويلهم وكثرة مراجعاتهم ، أو لخوف الفضيحة في ظهور القاتل ، أو لغلاء ثمنها . إذ روي : أن شيخا صالحا منهم كان له عجلة ، فأتى بها الغيضة وقال : اللهم إني استودعتكها لابني حتى يكبر ، فشبت وكانت وحيدة بتلك الصفات ، فساوموها من اليتيم وأمه حتى اشتروها بملء مسكها ذهبا ، وكانت البقرة إذ ذاك بثلاثة دنانير . وكاد من أفعال المقاربة وضع لدنو الخبر حصولا ، فإذا دخل عليه النفي قيل معناه الإثبات مطلقا . وقيل ماضيا ، والصحيح أنه كسائر الأفعال ولا ينافي قوله : { وما كادوا يفعلون } قوله { فذبحوها } لاختلاف وقتيهما ، إذ المعنى أنهم ما قاربوا أن يفعلوا حتى انتهت سؤالاتهم ، وانقطعت تعللاتهم ، ففعلوا كالمضطر الملجأ إلى الفعل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.