فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ لِذُنُوبِهِمۡ وَمَن يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمۡ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (135)

{ والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون }[ ذكر الله تعالى في هذه الآية صنفا هم دون الصنف الأول فألحقهم بهم برحمته ومنه فهؤلاء هم التوابون ]{[1144]} . لم يقنط البر الرحيم جل ذكره من عصى من عفوه وألحقهم بالبررة الموعودين بدار كرامته وأثنى على من ألم بخطيئة ثم أناب إلى الرشد وجادته ، { إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون }{[1145]} والفاحشة قد تعني السيئة المتزايدة القبح ويمكن أن تكون في الآية صفة لموصوف محذوف والتقدير : والذين إذا فعلوا فعلة فاحشة { أو ظلموا أنفسهم } أذنبوا ذنبا يؤاخذ فاعله به ويعاقب عليه { ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم } –أي وعيده أو عقابه وأنه سائلهم أو نهيه أو جلاله الموجب للخشية والحياء منه ، وعلى جميع التقادير فلا بد من مضاف محذوف وقيل المراد ذكروا الله بالثناء والتعظيم . . والمراد بالاستغفار الإتيان بالتوبة على الوجه الصحيح وهو الندم على فعل ما مضى مع العزم على ترك مثله في المستقبل . . .

{ ومن يغفر الذنوب إلا الله } لأن كمال قدرته وغناه كما أنه يقتضي إزالة ذلك العقاب عنه لكن صدور الرحمة عنه بالذات " سبقت رحمتي غضبي " فجانب العفو والمغفرة أرجح ولا سيما إذا اقترن الذنب بالتوبة والاعتذار والتنصل بأقصى ما يمكن للعبد-{[1146]} .

روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم ) { ولم يصروا على ما فعلوا } لم يقيموا على قبيح فعلهم ولم يعاودوه وليس في عزمهم ولا نيتهم أن يأتوه ّ{ وهم يعلمون } قال الحسن بن الفضل { وهم يعلمون } أن لهم ربا يغفر الذنب ويشهد بهذا حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال ( أذنب عبدي ذنبا فقال اللهم اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد فأذنب فقال أي رب اغفر لي ذنبي فذكر مثله مرتين وفي آخره- اعمل ما شئت فقد غفرت لك ) أخرجه مسلم ، وقيل والحال أنهم يعلمون قبحها لأنه قد يعذر الجاهل ولا يعذر العالم - عن السدي : فيعلمون أنهم قد أذنبوا ثم أقاموا فلم يستغفروا { أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العالمين } .


[1144]:من الجامع لأحكام القرآن.
[1145]:من سورة الأعراف الآية 201.
[1146]:من تفسير غرائب القرآن.