فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَةُ} (4)

{ وَمَا تَفَرَّقَ الذين أُوتُواْ الكتاب إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ البينة } هذه الجملة مستأنفة لتوبيخ أهل الكتاب وتقريعهم وبيان أن ما نسب إليهم من عدم الانفكاك لم يكن لاشتباه الأمر ، بل كان بعد وضوح الحق ، وظهور الصواب . قال المفسرون : لم يزل أهل الكتاب مجتمعين حتى بعث الله محمداً . فلما بعث تفرقوا في أمره واختلفوا ، فآمن به بعضهم ، وكفر آخرون . وخصّ أهل الكتاب ، وإن كان غيرهم مثلهم في التفرّق بعد مجيء البينة ، لأنهم كانوا أهل علم ، فإذا تفرّقوا كان غيرهم ممن لا كتاب له أدخل في هذا الوصف ، والاستثناء في قوله : { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ البينة } مفرّغ من أعم الأوقات : أي وما تفرّقوا في وقت من الأوقات إلاّ من بعد ما جاءتهم الحجة الواضحة ، وهي : بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشريعة الغرّاء والمحجة البيضاء . وقيل البينة : البيان الذي في كتبهم أنه نبيّ مرسل كقوله : { وَمَا اختلف الذين أُوتُواْ الكتاب إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ العلم } [ آل عمران : 19 ] قال القرطبي : قال العلماء : من أوّل السورة إلى قوله : { كُتُبٌ قَيّمَةٌ } حكمها فيمن آمن من أهل الكتاب والمشركين . وقوله : { وَمَا تَفَرَّقَ } الخ فيمن لم يؤمن من أهل الكتاب والمشركين بعد قيام الحجج .

/خ8