فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَفَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلۡمٖ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمۡعِهِۦ وَقَلۡبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَةٗ فَمَن يَهۡدِيهِ مِنۢ بَعۡدِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (23)

ثم عجب سبحانه من حال الكفار ، فقال : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ } قال الحسن وقتادة : ذلك الكافر اتخذ دينه ما يهواه ، فلا يهوى شيئًا إلاّ ركبه ، وقال عكرمة : يعبد ما يهواه أو يستحسنه ، فإذا استحسن شيئًا وهواه اتخذه إلها . قال سعيد بن جبير : كان أحدهم يعبد الحجر ، فإذا رأى ما هو أحسن منه رمى به وعبد الآخر { وَأَضَلَّهُ الله على عِلْمٍ } أي «على علم » قد علمه ، وقيل المعنى : أضله عن الثواب على علم منه بأنه لا يستحقه ، وقال مقاتل : على علم منه أنه ضالّ لأنه يعلم أن الصنم لا ينفع ولا يضرّ . قال الزجاج : على سوء في علمه أنه ضال قبل أن يخلقه ، ومحل { على علم } النصب على الحال من الفاعل ، أو المفعول { وَخَتَمَ على سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ } أي طبع على سمعه حتى لا يسمع الوعظ ، وطبع على قلبه حتى لا يفقه الهدى { وَجَعَلَ على بَصَرِهِ غشاوة } أي غطاء حتى لا يبصر الرشد .

قرأ الجمهور { غِشَاوًَة } بالألف مع كسر الغين ، وقرأ حمزة ، والكسائي ( غَشْوَةً ) بغير ألف مع فتح الغين ، ومنه قول الشاعر :

لئن كنت ألبستني غشوة *** لقد كنت أصفيتك الودّ حينا

وقرأ ابن مسعود ، والأعمش كقراءة الجمهور مع فتح الغين وهي لغة ربيعة ، وقرأ الحسن ، وعكرمة بضمها وهي لغة عكل { فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ الله } أي من بعد إضلال الله له { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } تذكر اعتبار حتى تعلموا حقيقة الحال .

/خ26