السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَيَجۡعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكۡرَهُونَۚ وَتَصِفُ أَلۡسِنَتُهُمُ ٱلۡكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلنَّارَ وَأَنَّهُم مُّفۡرَطُونَ} (62)

والنوع الثالث من الأقاويل الفاسدة التي كان يذكرها الكفار ، وحكاها الله تعالى عنهم ، قوله : { ويجعلون لله ما يكرهون } ، لأنفسهم من البنات ، وأراذل الأحوال ، والشركاء في الرياسة . ثم وصف الله تعالى جراءتهم مع ذلك ، بقوله تعالى : { وتصف } ، أي : وتقول ، { ألسنتهم الكذب } ، أي : مع ذلك ، مع أنه قول لا ينبغي أن يتخيله عاقل ، ثم بيّنه بقوله تعالى : { أنّ لهم الحسنى } ، أي : عنده ، أي : الجنة ، كقوله تعالى : { ولئن رجعت إلى ربي إنّ لي عنده للحسنى } ، ولا جهل أعظم ، ولا أحكم سوءاً ، من أن تقطع بأنّ من تجعل له ما تكره أن يجعل لك ما تحب ، فكأنه قيل : ما لهم عنده ؟ فقيل : { لا جرم } ، أي : لا ظن ولا تردّد ، في { أن لهم النار } ، أي : هي جزاء الظالمين ، وقيل : { لا جرم } ، بمعنى : حقاً . { وأنهم مفرطون } ، أي : متركون فيها ، أو مقدّمون إليها ، وقرأ نافع بكسر الراء ، أي : متجاوزون الحد ، والباقون بالفتح . فإن قيل : إنهم لم يقرّوا بالبعث ، فكيف يقولون إن لنا الحسنى عند الله ؟ أجيب : بأنهم قالوا : إن كان محمد صادقاً في البعث بعد الموت ، فإن لنا الجنة ، وقيل إنه كان في العرب جمع يقرّون بالبعث والقيامة ، وأنهم كانوا يربطون البعير النفيس على قبر الميت ، ويتركونه إلى أن يموت ، ويقولون : إنّ ذلك الميت إذا حشر ، فإنه يحشر معه مركوبه .