السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفٖۖ فَإِنۡ أَصَابَهُۥ خَيۡرٌ ٱطۡمَأَنَّ بِهِۦۖ وَإِنۡ أَصَابَتۡهُ فِتۡنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ خَسِرَ ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةَۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِينُ} (11)

{ ومن الناس من يعبد الله } أي : يعمل على سبيل الاستمرار والتجدّد بما أمر الله به من طاعته { على حرف } فهو مزلزل كزلزلة من يكون على حرف شفير أو جبل أو غيره لا استقرار له ، وكالذي على طرف من العسكر ، فإن رأى غنيمة استمرّ ، وإن توهم خوفاً طار وفرّ ، وذلك معنى قوله تعالى : { فإن أصابه خير } أي : من الدنيا { اطمأنّ به } أي : بسببه وثبت على ما هو عليه { وإن أصابته فتنة } أي : محنة وسقم في نفسه وماله { انقلب على وجهه } أي : رجع إلى الكفر ، وعن أبي سعيد الخدريّ : «أن رجلاً من اليهود أسلم فأصابته مصائب فتشاءم بالإسلام ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أقلني ، فقال : إن الإسلام لا يقال ، فنزلت » ولما كان انقلابه هذا مفسدة لدنياه ولآخرته قال تعالى : { خسر الدنيا } بفوات ما أمّله منها ويكون ذلك سبب التقتير عليه قال تعالى : { ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم } [ المتئدة ، 66 ] ، وروي " إنّ الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيب " .

{ والآخرة } بالكفر ، ثم عظم مصيبته بقوله تعالى : { ذلك } أي : الأمر العظيم { هو } أي : لا غيره . { الخسران المبين } أي : البين إذ لا خسران مثله