{ فَإنْ حَآجّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للّهِ وَمَنِ اتّبَعَنِ وَقُلْ لّلّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَالاُمّيّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وّإِن تَوَلّوْاْ فَإِنّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }
يعني بذلك جلّ ثناؤه : فإن حاجّك يا محمد النفر من نصارى أهل نجران في أمر عيسى صلوات الله عليه ، فخاصموك فيه بالباطل ، فقل : انقدت لله وحده بلساني وقلبي وجميع جوارحي ، وإنما خصّ جلّ ذكره بأمره بأن يقول : أسلمت وجهي لله ، لأن الوجه أكرم جوارح ابن آدم عليه ، وفيه بهاؤه وتعظيمه فإذا خضع وجهه لشيء ، فقد خضع له الذي هو دونه في الكرامة عليه من جوارح بدنه . وأما قوله : { وَمَنِ اتّبَعَنِي } فإنه يعني : وأسلم من اتبعني أيضا وجهه لله معي ، ومن معطوف بها على التاء في
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : { فإنْ حاجّوكَ } أي بما يأتونك به من الباطل من قولهم : خلقنا ، وفعلنا ، وجعلنا ، وأمرنا ، فإنما هي شبه باطلة قد عرفوا ما فيها من الحقّ ، فقل : أسلمت وجهي لله ومن اتبعني .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَقُلْ لِلّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ وَالأُمّيّينَ أأسْلَمْتُمْ فإنْ أسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدُوا } .
يعني بذلك جلّ ثناؤه : وقل يا محمد للذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى ، والأميين الذين لا كتاب لهم من مشركي العرب أأسلمتم ؟ يقول : قل لهم : هل أفردتم التوحيد ، وأخلصتم العبادة والألوهة لربّ العالمين دون سائر الأنداد والأشراك التي تشركونها معه في عبادتكم إياهم ، وإقراركم بربوبيتهم ، وأنتم تعلمون أنه لا ربّ غيره ، ولا إله سواه ، فإن أسلموا يقول : فإن انقادوا لإفراد الوحدانية لله ، وإخلاص العبادة والألوهة له ، فقد اهتدوا ، يعني : فقد أصابوا سبيل الحقّ ، وسلكوا محجة الرشد .
فإن قال قائل : وكيف قيل : فإن أسلموا فقد اهتدوا عقيب الاستفهام ، وهل يجوز على هذا في الكلام أن يقال لرجل : هل تقوم ؟ فإن تقم أكرمك ؟ . قيل : ذلك جائز إذا كان الكلام مرادا به الأمر ، وإن خرج مخرج الاستفهام ، كما قال جلّ ثناؤه : { وَيَصُدّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصّلاةِ فَهَلْ أنْتُمْ مُنْتَهُونَ } يعني انتهوا ، وكما قال جل ثناؤه مخبرا عن الحواريين أنهم قالوا لعيسى : { يا عيسَى ابنَ مَريمَ هلْ يَستطيعُ رَبّكَ أنْ يُنَزّلَ عَلينَا مائدةً مِنَ السماءِ } . وإنما هو مسألة ، كما يقول الرجل : هل أنت كافّ عنا ؟ بمعنى : اكفف عنا ، وكما يقول الرجل للرجل : أين أين ؟ بمعنى ؟ أقم فلا تبرح ، ولذلك جُوزي في الاستفهام كما جوزي في الأمر في قراءة عبد الله : «هَلْ أدُلّكُمْ على تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ ألِيمٍ ؟ آمِنُوا » ففسرها بالأمر ، وهي في قراءتنا على الخبر¹ فالمجازاة في قراءتنا على قوله : { هَلْ أدُلكُمْ } وفي قراءة عبد الله على قوله : «آمِنُوا » على الأمر ، لأنه هو التفسير .
وبنحو معنى ما قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : { وَقُلْ لِلّذِينَ أُوتُوا الكتابَ والأُميّينَ } الذين لا كتاب لهم : { أأسْلَمْتُمْ فإنْ أسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا } . . . الاَية .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : { وَقُلْ لِلّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ وَالأُمّيّينَ } قال : الأميون : الذين لا يكتبون .
القول في تأويل قوله تعالى : { وإن تَوَلّوْا فَإنّما عَلَيْكَ البَلاغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالعِبادِ } .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : { وَإنْ تَوَلّوْا } وإن أدبروا معرضين عما تدعوهم إليه من الإسلام ، وإخلاص التوحيد لله ربّ العالمين ، فإنما أنت رسول مبلغ ، وليس عليك غير إبلاغ الرسالة إلى من أرسلتك إليه من خلقي ، وأداء ما كلفتك من طاعتي . { وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالعِبادِ } يعني بذلك ، والله ذو علم بمن يقبل من عباده ما أرسلتك به إليه ، فيطيعك بالإسلام ، وبمن يتولى منهم عنه معرضا ، فيردّ عليك ما أرسلتك به إليه فيعصيك بإبائه الإسلام .
{ حاجوك } فاعلوك من الحجة والضمير في { حاجوك } لليهود ولنصارى نجران والمعنى : إن جادلوك وتعنتوا بالأقاويل المزورة ، والمغالطات فاسند{[3038]} إلى ما كلفت من الإيمان والتبليغ وعلى الله نصرك . وقوله { وجهي } يحتمل أن يراد به المقصد كما تقول خرج فلان في وجه كذا فيكون معنى الآية : جعلت مقصدي لله ، ويحتمل أن يكون معنى الآية ، أسلمت شخصي وذاتي وكليتي وجعلت ذلك لله ، وعبر بالوجه إذ الوجه أشرف أعضاء الشخص وأجمعها للحواس ، وقد قال حذاق المتكلمين في قوله تعالى : { ويبقى وجه ربك }{[3039]} أنها عبارة عن الذات ، و { أسلمت } في هذا الموضع بمعنى دفعت وأمضيت وليست بمعنى دخلت في السلم لأن تلك لا تتعدى ، وقوله تعالى { ومن اتبعن } في موضع رفع عطف على الضمير في { أسلمت } ويجوز أن يكون مبتدأ أي { ومن اتبعن } أسلم وجهه ، وقال بعضهم : يحتمل أن يكون في موضع خفض عطفاً على اسم الله تعالى كأنه يقول : جعلت مقصدي لله بالإيمان به والطاعة له ، ولمن اتبعن بالحفظ له والتحفي{[3040]} بتعليمه وصحبته لك في { اتبعن } حذف الياء وإثباتها وحذفها أحسن اتباعاً لخط المصحف ، وهذه النون إنما هي لتسليم فتحة لام الفعل فهي مع الكسرة تغني عن الياء لا سيما إذا كانت رأس آية ، فإنها تشبه قوافي الشعر كما قال الأعشى : [ المتقارب ]
وَهَلْ يَمْنَعَنّ ارتياد البِلا . . . دِ منْ حَذَرِ الْمَوت أنْ يَأْتِيَنْ{[3041]}
فمن ذلك قوله تعالى : { ربي أكرمن }{[3042]} فإذا لم تكن نون فإثبات الياء أحسن ، لكنهم قد قالوا : هذا غلام قد جاء فاكتفوا بالكسرة دلالة على الياء{[3043]} ، و{ الذين أوتوا الكتاب } في هذا الموضع يجمع اليهود والنصارى باتفاق ، والأميون هم الذين لا يكتبون وهم العرب في هذه الآية ، وهذه النسبة هي إلى الأم أو إلى الأمة أي كما هي الأم ، أو على حال خروج الإنسان عن الأم أو على حال الأمة الساذجة قبل التعلم والتحذق ، وقوله : { أأسلمتم } تقرير في ضمنه الأمر كذا قال الطبري وغيره ، وذلك بين{[3044]} ، وقال الزجاج { أأسلمتم } تهديد ، وهذا حسن ، لأن المعنى أأسلمتم أم لا ؟ وقوله تعالى : { فقد اهتدوا } وجاءت العبارة بالماضي مبالغة في الإخبار بوقوع الهدى لهم وتحصله .
وقوله تعالى : { فإنما عليك البلاغ } ذكر بعض الناس أنها آية موادعة وأنها مما نسخته آية السيف .
قال أبو محمد : وهذا يحتاج أن يقترن به معرفة تاريخ نزولها ، وأما على ظاهر نزول هذه الآية في وقت وفد نجران فإنما المعنى { فإنما عليك البلاغ } بما فيه قتال وغيره ، و { البلاغ } مصدر بلغ بتخفيف عين الفعل ، وفي قوله تعالى : { والله بصير بالعباد } وعد للمؤمنين ووعيد للكافرين{[3045]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.