جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{فَإِنۡ حَآجُّوكَ فَقُلۡ أَسۡلَمۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِۗ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡأُمِّيِّـۧنَ ءَأَسۡلَمۡتُمۡۚ فَإِنۡ أَسۡلَمُواْ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَٰغُۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (20)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ فَإنْ حَآجّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للّهِ وَمَنِ اتّبَعَنِ وَقُلْ لّلّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَالاُمّيّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وّإِن تَوَلّوْاْ فَإِنّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }

يعني بذلك جلّ ثناؤه : فإن حاجّك يا محمد النفر من نصارى أهل نجران في أمر عيسى صلوات الله عليه ، فخاصموك فيه بالباطل ، فقل : انقدت لله وحده بلساني وقلبي وجميع جوارحي ، وإنما خصّ جلّ ذكره بأمره بأن يقول : أسلمت وجهي لله ، لأن الوجه أكرم جوارح ابن آدم عليه ، وفيه بهاؤه وتعظيمه فإذا خضع وجهه لشيء ، فقد خضع له الذي هو دونه في الكرامة عليه من جوارح بدنه . وأما قوله : { وَمَنِ اتّبَعَنِي } فإنه يعني : وأسلم من اتبعني أيضا وجهه لله معي ، ومن معطوف بها على التاء في

«أسلمت » . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : { فإنْ حاجّوكَ } أي بما يأتونك به من الباطل من قولهم : خلقنا ، وفعلنا ، وجعلنا ، وأمرنا ، فإنما هي شبه باطلة قد عرفوا ما فيها من الحقّ ، فقل : أسلمت وجهي لله ومن اتبعني .

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقُلْ لِلّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ وَالأُمّيّينَ أأسْلَمْتُمْ فإنْ أسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدُوا } .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : وقل يا محمد للذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى ، والأميين الذين لا كتاب لهم من مشركي العرب أأسلمتم ؟ يقول : قل لهم : هل أفردتم التوحيد ، وأخلصتم العبادة والألوهة لربّ العالمين دون سائر الأنداد والأشراك التي تشركونها معه في عبادتكم إياهم ، وإقراركم بربوبيتهم ، وأنتم تعلمون أنه لا ربّ غيره ، ولا إله سواه ، فإن أسلموا يقول : فإن انقادوا لإفراد الوحدانية لله ، وإخلاص العبادة والألوهة له ، فقد اهتدوا ، يعني : فقد أصابوا سبيل الحقّ ، وسلكوا محجة الرشد .

فإن قال قائل : وكيف قيل : فإن أسلموا فقد اهتدوا عقيب الاستفهام ، وهل يجوز على هذا في الكلام أن يقال لرجل : هل تقوم ؟ فإن تقم أكرمك ؟ . قيل : ذلك جائز إذا كان الكلام مرادا به الأمر ، وإن خرج مخرج الاستفهام ، كما قال جلّ ثناؤه : { وَيَصُدّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصّلاةِ فَهَلْ أنْتُمْ مُنْتَهُونَ } يعني انتهوا ، وكما قال جل ثناؤه مخبرا عن الحواريين أنهم قالوا لعيسى : { يا عيسَى ابنَ مَريمَ هلْ يَستطيعُ رَبّكَ أنْ يُنَزّلَ عَلينَا مائدةً مِنَ السماءِ } . وإنما هو مسألة ، كما يقول الرجل : هل أنت كافّ عنا ؟ بمعنى : اكفف عنا ، وكما يقول الرجل للرجل : أين أين ؟ بمعنى ؟ أقم فلا تبرح ، ولذلك جُوزي في الاستفهام كما جوزي في الأمر في قراءة عبد الله : «هَلْ أدُلّكُمْ على تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ ألِيمٍ ؟ آمِنُوا » ففسرها بالأمر ، وهي في قراءتنا على الخبر¹ فالمجازاة في قراءتنا على قوله : { هَلْ أدُلكُمْ } وفي قراءة عبد الله على قوله : «آمِنُوا » على الأمر ، لأنه هو التفسير .

وبنحو معنى ما قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : { وَقُلْ لِلّذِينَ أُوتُوا الكتابَ والأُميّينَ } الذين لا كتاب لهم : { أأسْلَمْتُمْ فإنْ أسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا } . . . الاَية .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : { وَقُلْ لِلّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ وَالأُمّيّينَ } قال : الأميون : الذين لا يكتبون .

القول في تأويل قوله تعالى : { وإن تَوَلّوْا فَإنّما عَلَيْكَ البَلاغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالعِبادِ } .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { وَإنْ تَوَلّوْا } وإن أدبروا معرضين عما تدعوهم إليه من الإسلام ، وإخلاص التوحيد لله ربّ العالمين ، فإنما أنت رسول مبلغ ، وليس عليك غير إبلاغ الرسالة إلى من أرسلتك إليه من خلقي ، وأداء ما كلفتك من طاعتي . { وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالعِبادِ } يعني بذلك ، والله ذو علم بمن يقبل من عباده ما أرسلتك به إليه ، فيطيعك بالإسلام ، وبمن يتولى منهم عنه معرضا ، فيردّ عليك ما أرسلتك به إليه فيعصيك بإبائه الإسلام .