تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَإِنۡ حَآجُّوكَ فَقُلۡ أَسۡلَمۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِۗ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡأُمِّيِّـۧنَ ءَأَسۡلَمۡتُمۡۚ فَإِنۡ أَسۡلَمُواْ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَٰغُۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (20)

الآية 20 وقوله تعالى : { فإن حاجوك } ، ولم يقل : في ماذا يحاجون ؟ فيحتمل ، والله أعلم ، أن يكون هذا بعدما علم الله أنهم لا يؤمنون ، ولا يقبلون الحجة ، أمره بترك المحاجة بقوله : { فقل أسلمت وجهي لله } وكذلك { ومن اتبعن } أسلموا أنفسهم لله كقوله : { فتول عنهم } [ الذاريات : 45 ] [ وقوله ]{[3685]} : { فأعرض عنهم } [ النساء : 63 و . . ] إياسة عن إيمانهم ، وأمره بترك المحاجة معهم .

وقوله تعالى : { فقل أسلمت وجهي لله } أي أخلصت ، ثم يحتمل قوله : { وجهي لله } أي نفسي لله ، لا أشرك فيها أحدا ، ولا أجعل لغير الله فيها على ما جعل الكفار في أنفسهم شركاء وأربابا .

قال الشيخ ، رحمه الله تعالى : وقيل : الإسلام أن يجعل نفسه بكليتها{[3686]} لله تعالى سالمة لا شركة فيها لأحد{[3687]} كما قال :

{ ورجلا سلما لرجل }{[3688]} [ الزمر : 29 ] . والإيمان هو التصديق لشهود الربوبية لله من نفسه وغيره ، لأنه ما من شيء إلا وفيه شهادة الربوبية .

وقوله تعالى : { ومن اتبعن } أي من اتبع ديني فقد أسلموا أنفسهم لله تعالى أيضا لم يشركوا فيها شركاء وأربابا ، ويحتمل قوله : { وجهي لله } أي أسلمت أمر ديني [ وعملي لله ، وكذلك { ومن اتبعن } واتبع ديني ]{[3689]} فقد أسلموا [ أنفسهم وأعمالهم ]{[3690]} وأمورهم لله كقوله تعالى : { وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد } [ غافر : 44 ] وفي حرف ابن مسعود رضي الله عنه : ( ومن تبعني ){[3691]} أي ومن معي .

وقوله تعالى : { وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين } قيل : الذين { أوتوا الكتاب } اليهود والنصارى { والأميين } العرب الذين [ لا ]{[3692]} يقرؤون الكتاب ، ولا لهم كتاب { أأسلمتم } أنتم لله كما أسلمت أنا وجهي لله ومن اتبعني ؟ { فإن أسلموا فقد اهتدوا } وأخلصوا وجوههم لله وأعمالهم { وإن تولوا فإنما عليك البلاغ } أي إن أبوا أن يسلموا فليس عليك إلا البلاغ ، [ كقوله : { ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء } [ الأنعام : 52[ وكقوله : { إن عليك إلا البلاغ } [ الشورى : 48 ] ]{[3693]} وكقوله : { عليك البلاغ وعلينا الحساب } [ الرعد : 40 ] .

وقوله تعالى : { والله بصير بالعباد } هو حرف وعيد ، وقيل : { بصير } غير غافل ، وقيل : { بصير } بجزاء أعمالهم ، وقيل : { بصير } بما أسروا ، وأعلنوا ، وفي كل وجه وعيد .

قال الشيخ ، رحمه الله تعالى : في قوله : { فإن حاجوك } فلم يبين في ماذا ؟ وقد يجوز ترك الإخبار عن القصة بوجهين :

أحدهما : بعلم أهله .

والثاني : بما في الجواب . دليله : قوله : { يستفتونك } [ النساء : 127 و . . ] و{ يسألونك } [ البقرة : 189 و . . ] في غير موضع على غير البيان أنه

عم ذا ؟ وهو ، والله أعلم ، داخل ذانك الوجهين . ثم يحتمل أن تكون المحاجة قد كثرت في ما قال { فإن حاجوك{ والحجة قد ظهرت فيه ، فكانوا يعودون إليها مرة بعد مرة عود تعنت وعناد ، فأكرم الله رسوله بالإعراض عن محاجتهم ذلك بما ظهر [ من ]{[3694]} تعنتهم ، فقال : { فقل أسلمت وجهي لله } على الإعراض عن محاجتهم ، والله أعلم . وعلى ذلك يخرج معنى الأمر بالتولي عنهم في غير موضع . ويحتمل أن تكون المحاجة في عبادة الواحد القهار والأوثان التي كانوا [ يعبدونها من دون الله ]{[3695]} فبين ، جل ثناؤه ، في ذلك بالذي يقول لهم هو ومن اتبعه على ذلك نحو قوله تعالى : { لكم دينكم ولي دين } [ الكافرون : 6 ] وقوله : { لا حجة بيننا وبينكم } الآية [ الشورى : 15 ] ونحو ذلك ، والله أعلم .


[3685]:ساقطة من الأصل وم.
[3686]:في الأصل وم: لكليتها.
[3687]:في الأصل وم: أحد.
[3688]:في الأصل وم: سالما وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو، انظر حجة القراءات ص (621).
[3689]:من م.
[3690]:في الأصل: أعمالهم، في م: أنفسهم.
[3691]:انظر حجة القراءات ص (158).
[3692]:من م.
[3693]:من م.
[3694]:ساقطة من الأصل وم.
[3695]:في الأصل: يعبدونها من دون، في م: يعبدون من دون الله.