وبعد أن بين سبحانه للناس أنه قد من عليهم بنعمة خلقه ما في الأرض جميعاً ، بدأ بعد ذلك يذكرهم بنعمة أخرى هي نعمة خلقه لأبيهم آدم ، وخلق آدم مبدأ لخلق ذريته ، وتكريمه موصول بتكريمهم فقال تعالى : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً قَالُواْ . . . }
في هذه الآيات الكريمة عطف - سبحانه - قصة خلق آدم أبي البشر على قصة خلق الأنفس وخلق السماوات والأرض انتقالا في الاستدلال على أن الله واحد ، وجمعاً بين تعدد الأدلة وبين مختلف الحوادث وأصلها ، حتى يكون التدليل أجمع ، والإِيمان بالله أقوى وأثبت .
وإذ وإذا ظرفان للزمان ، الأول للماضي والثاني للمستقبل ، فإن جاء إذ مع المضارع أفاد الماضي كقوله : { وَإِذْ تَقُولُ للذي أَنعَمَ الله عَلَيْهِ . . . } وإن جاء إذا مع الماضي أفاد الاستقبال كقوله : { إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح } وإذ هنا واقعة موقع المفعول به لعامل مقدر دل عليه المقام . والمعنى : واذكر يا محمد وقت أن قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة . وقد جاء هذا المقدر هنا مصرحاً به في آيات أخرى كما قال تعالى :
{ واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ } والملائكة جمع ملك . والتاء لتأنيث الجمع ، وأصله ملأك ، من ملك ، نحو شمال من شمل ، والهمزة زائدة وهو مقلوب مالك ، وقيل : إن ملاك من لأك إذا أرسل ، ومنه الألوكة ، أي : الرسالة .
والملائكة ، هم جند من خلق الله ، ركز الله فيهم العقل والفهم ، وفطرهم على الطاعة ، وأقدرهم على التشكيل بأشكال مختلفة ، وعلى الأعمال العظيمة الشاقة ، ووصفهم في القرآن بأوصاف كثيرة منها أنهم { يُسَبِّحُونَ الليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ } وأنهم لا يعصون الله ما أمرهم { وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } ومنها : أنهم رسل الله أرسلهم بأمره " ومنهم رسل الوحي إلى من اصطفاهم من خلقه للنبوة والرسالة . قال تعالى : { جَاعِلِ الملائكة رُسُلاً } وقال تعالى : { الله يَصْطَفِي مِنَ الملائكة رُسُلاً وَمِنَ الناس } وقال-تعالى - { يُنَزِّلُ الملائكة بالروح مِنْ أَمْرِهِ على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } و ( الخليفة ) من يخلف غيره وينوب منابه ، فهو فعيل بمعنى فاعل ، والتاء فيه للمبالغة ، والمراد به آدم - عليه السلام - لأنه كان خليفة من الله في الأرض ، وكذلك سائر الأنبياء استخلفهم الله - تعالى - في عمارة الأرض ، وسياسة الناس ، وتكميل نفوسهم ، وإجراء أحكامه عليهم ، وتنفيذ أوامره فيهم . وقيل : آدم وذريته ، لأنه يخلف بعضهم بعضاً في عمارة الأرض ، واستغنى بذكره عن ذكر ذريته لكونه الأصل . وخطاب الله لملائكته بأنه سيجعل في الأرض خليفة ، ليس المقصود منه المشورة ، وإنما خاطبهم بذلك من أجل ما ترتب عليه من سؤالهم عن وجه الحكمة من هذه الخلافة ، وما أجيبوا به من بعد ، أو من أجل تعليم العباد المشاورة في أمورهم قبل أن يقدموا عليها وعرضها على ثقاتهم ونصائحهم وإن كان هو - سبحانه - بعلمه وحكمته البالغة غنياً عن المشاورة . أو الحكمة تعظيم شأن المجهول ، وإظهار فضله ، بأن بشر بوجود سكان ملكوته ، ونوه بعظيم شأن المجعول بذكره في الملأ الأعلى قبل إيجاده ، ولقبه بالخليفة .
ثم حكى - سبحانه - إجابة الملائكة فقال : { قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدمآء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } .
الفساد : الخروج عن الاعتدال والاستقامة ويضاده الصلاح . يقال فسد الشيء فساداً وفسوداً وأفسده غيره .
والسفك : الصب والإِهراق ، يقال : سفكت الدم والدمع سفكاً - من باب ضرب - صببته . والفاعل سافك وسفاك ، والمراد به حصول التقاتل بين أفراد بني الإِنسان ظلماً وعدواناً .
والتسبيح : مشتق من السبح وهو المر السريع في الماء أو في الهواء ، فالمسبح مسرع في تنزيه الله وتبرئته من السوء .
والتقديس : التطهير والتعظيم ووصفه بما يليق به من صفات الكمال .
فيكون التسبيح نفى ما لا يليق ، والتقديس إثبات ما يليق ، وقدم التسبيح على التقديس من باب تقديم التخلية على التحلية . والمعنى : أتجعل في الأرض يا إلهنا من يفسد فيها ويريق الدماء والحال أننا نحن ننزهك عما لا يليق بعظمتك ، تنزيهاً متلبساً بحمدك والثناء عليك ، ونطهر ذكرك عما لا يليق بك تعظيماً لك وتمجيداً .
وقولهم : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا . . . إلخ } إنما صدر منهم على وجه استطلاع الحكمة في خلق نوع من الكائنات يصدر منه الإِفساد في الأرض وسفك الدماء . وقطعهم بحكمة الله في كل ما يفعل لا ينافي تعجبهم من بعض أفعاله ، لأن التعجب يصدر عن خفاء سبب الفعل ، فمن تعجب من فعل شيء وأحب الاطلاع على الحكمة الباعثة على فعله لا يعد منكرا . والملائكة لا يعلمون الغيب ، فلابد أن يكونوا قد علموا ماذا سيكون من الفساد في الأرض وسفك الدماء بوجه من الوجوه التي يطلع الله بها على غيبه بعض المصطفين الأخبار من خلقه . قال الإِمام ابن كثير في توضيح هذا المعنى : قوله - تعالى - { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدمآء } أرادوا أن من هذا الجنس من يفعل ذلك وكأنهم علموا ذلك بعلم خاص ، أو بما فهموه من الطبيعة البشرية ، فإنه أخبرهم أنه يخلق هذا الصنف من صلصال من حمأ مسنون ، أو فهموا من الخليفة أنه الذي يفصل بين الناس ما يقع بينهم من المظالم . ويردعهم عن المحارم والمآثم . . وقول الملائكة هذا ليس على وجه الاعتراض على الله ولا على وجه الحسد لبني آدم كما قد يتوهمه البعض . . وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك ، يقولون يا ربنا ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض ، ويسفك الدماء فإن كان المراد عبادتك فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك ، ولا يصدر منا شيء من ذلك فهلا وقع الاقتصار علينا ؟
وقد رد الله - تعالى - على الملائكة بقوله : { قَالَ إني أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } .
أي : إني أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها ما لا تعلمون أنتم ، فإني سأجعل فيهم الأنبياء ، وأرسل فيهم الرسل ويوجد منهم الصديقون والشهداء والصالحون والعباد والزهاد والأولياء والأبرار والمقربون والعلماء العاملون والمحبون له - تعالى - المتعبون رسله .
فالجملة الكريمة إرشاد لهم إلى الأمر الذي من شأنه أن يقف بهم عند حدود الأدب اللائق بمقام الخالق - عز وجل - وتنبيه إلى أنه - تعالى - عالم بما لا يحيط به علم أحد من خلقه ، فله أن يفعل ما يشاء ويأمر بما يشاء ، وليس من أدب المؤمنين بأنه العليم الحكيم أن يسألوه حين يأمرهم بشيء ، أو يعلمهم بأنه سيفعل شيئاً ، عن حكمة ما أمر به أو ما سيفعله ، بل شأنهم أن يتجهوا إلى استطلاع حكمة الأفعال والأوامر من أنفسهم ، فإذا أدركوها فقد ظفروا بأمنيتهم ، وإن وقفت عقولهم دونها ، ففي تسليمهم لقدر الله ، وامتثالهم لأوامره الكفاية في القيام بحق التكليف والفوز برضا الله ، الذي هو الغاية من الإِيمان به والإِقبال على طاعته .
قال بعض العلماء : " وفي هذه الآية الكريمة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عن تكذيب بعض الناس له ، لأنه إذا كان الملأ الأعلى قد مثلو على أنهم يختصمون ويطلبون البيان والبرهان فيما لا يعلمون ، فأجدر بالناس أن يكونوا معذورين - وبالأنبياء أن يعاملوهم كما عامل الله الملائكة المقربين ، أي : فعليك يا محمد أن تصبر على هؤلاء المكذبين ، وترشد المسترشدين ، وتأتي أهل الدعوة بسلطان مبين .
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ( 30 )
قال معمر بن المثنى : «إذ زائدة ، والتقدير وقال ربك » .
قال أبو إسحاق الزجاج : «هذا اجتراء من أبي عبيدة » .
قال القاضي أبو محمد : وكذلك رد عليه جميع المفسرين( {[406]} ) .
وقال الجمهور : ليست بزائدة وإنما هي معلقة بفعل مقدر تقديره واذكر إذ قال( {[407]} ) ، وأيضاً فقوله : { خلق لكم ما في الأرض جميعاً } الآية ، يقتضي أن يكون التقدير وابتداء خلقكم إذ قال ربك للملائكة ، وإضافة رب إلى محمد صلى الله عليه وسلم ومخاطبته بالكاف تشريف منه له ، وإظهار لاختصاصه به ، والملائكة واحدها ملك أصله ملاك على وزن مفعل من لاك إذا أرسل ، وجمعه ملائكة على وزن مفاعلة .
وقال قوم : أصل ملك مألك ، من ألك إذا أرسل ، ومنه قول عدي بن زيد : [ الرمل ]
أبلغ النعمان عني مألكا . . . أنه قد طال حبسي وانتظاري
واللغتان مسموعتان لأك وألك ، قلبت فيه( {[408]} ) الهمزة بعد اللام فجاء وزنه معفل ، وجمعه ملائكة ، وزنه معافلة .
وقال ابن كيسان( {[409]} ) : «هو من ملك يملك ، والهمزة فيه زائدة كما زيدت في شمأل من شمل ، فوزنه فعأل ، ووزن جمعه فعائلة » وقد يأتي في الشعر على أصله كما قال : [ الطويل ]
فلستِ لأنسيٍّ ولكنْ لمَلأكٍ . . . تَنَزَّلَ مَن جَوِّ السماءِ يصُوبُ
وأما في الكلام فسهلت الهمزة( {[410]} ) وألقيت حركتها على اللام أو على العين في قول ابن كيسان فقيل ملك ، والهاء في ملائكة لتأنيث الجموع( {[411]} ) غير حقيقي ، وقيل هي للمبالغة كعلامة ونسابة ، والأول أبين .
وقال أبو عبيدة : «الهمزة في ملائكة مجتلبة( {[412]} ) لأن واحدها ملك » .
قال القاضي أبو محمد بن عبد الحق رضي الله عنه : فهذا الذي نحا إليه ابن كيسان .
و { جاعل } في هذه الآية بمعنى خالق ، ذكره الطبري عن أبي روق( {[413]} ) ، ويقضي بذلك تعديها إلى مفعول واحد .
وقال الحسن وقتادة : «جاعل بمعنى فاعل » .
وقال ابن سابط( {[414]} ) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «إن الأرض هنا يعني بها مكة لأن الأرض دحيت من تحتها ، ولأنها مقرٌّ من هلك قومه من الأنبياء ، وإن قبر نوح وصالح بين المقام والركن » .
قال ابن عباس : «كانت الجن قبل بني آدم في الأرض فأفسدوا وسفكوا الدماء فبعث الله إليهم قبيلاً من الملائكة قتلهم وألحق فلَّهم بجزائر البحار ورؤوس الجبال ، وجعل آدم وذريته خليفة »( {[415]} ) .
وقال الحسن : «إنما سمى الله بني آدم خليفة لأن كل قرن منهم يخلف الذي قبله ، الجيل بعد الجيل » .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : ففي هذا القول ، يحتمل أن تكون بمعنى خالفة وبمعنى مخلوفة . ( {[416]} )
وقال ابن مسعود : «إنما معناه خليفة مني في الحكم بين عبادي بالحق وبأوامري » يعني ذلك آدم عليه السلام ومن قام مقامه بعده من ذريته .
وقرأ زيد بن علي «خليقة » بالقاف .
وقوله تعالى : { قالوا أتجعل فيها } الآية ، وقد علمنا قطعاً أن الملائكة لا تعلم الغيب ولا تسبق بالقول ، وذلك عام في جميع الملائكة ، لأن قوله : «لا يسبقونه بالقول » خرج على جهة المدح لهم( {[417]} ) .
قال القاضي أبو بكر بن الطيب : «فهذه العموم ، فلا يصح مع هذين الشرطين إلا أن يكون عندهم من إفساد الخليفة في الأرض نبأ ومقدمة » .
قال ابن زيد وغيره : إن الله تعالى أعلمهم أن الخليفة سيكون من ذريته قوم يفسدون ويسفكون الدماء ، فقالوا لذلك هذه المقالة .
قال القاضي أبو محمد : فهذا إما على طريق التعجب من استخلاف الله من يعصيه ، أو من عصيان من يستخلفه الله في أرضه وينعم عليه بذلك ، وإما على طريق الاستعظام والإكبار للفصلين جميعاً ، الاستخلاف ، والعصيان . ( {[418]} )
وقال أحمد بن يحيى ثعلب وغيره : إنما كانت الملائكة قد رأت وعلمت ما كان من إفساد الجن وسفكهم الدماء في الأرض فجاء قولهم { أتجعل فيها } الأية ، على جهة الاستفهام المحض ، هل هذا الخليفة على طريقة من تقدم من الجن أم لا ؟
وقال آخرون : كان الله تعالى قد أعلم الملائكة أنه يخلق في الأرض خلقاً يفسدون ويسفكون الدماء ، فلما قال لهم بعد ذلك : { إني جاعل } { قالوا أتجعل فيها } الآية ، على جهة الاسترشاد والاستعلام هل هذا الخليفة هو الذي كان أعلمهم به قبل أو غيره ؟
والسفك صب الدم ، هذا عرفه ، ، وقد يقال سفك كلامه في كذا إذا سرده .
وقرأءة الجمهور بكسر الفاء ( {[419]} ) .
وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة : «ويسفكُ » بضم الفاء .
وقرأ ابن هرمز «ويسفك » بالنصب بواو الصرف ( {[420]} ) كأنه قال : من يجمع أن يفسد وأن يفسك .
وقال المهدوي : هو نصب في جواب الاستفهام .
قال القاضي أبو محمد والأول أحسن . ( {[421]} )
وقولهم : { ونحن نسبح بحمدك } قال بعض المتأولين : هو على جهة الاستفهام ، كأنهم أرادوا { ونحن نسبح بحمدك } الآية ، أن نتغير عن هذه الحال .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وهذا يحسن مع القول بالاستفهام المحض في قولهم : { أتجعل } ؟ .
وقال آخرون : معناه التمدح ووصف حالهم( {[422]} ) ، وذلك جائز لهم كما قال يوسف عليه السلام : { إني حفيظ عليم } [ يوسف : 55 ] .
قال القاضي أبو محمد : وهذا يحسن مع التعجب الاستعظام لأن يستخلف الله من يعصيه في قولهم { أتجعل } وعلى هذا أدبهم بقوله تعالى : { إني أعلم ما لا تعلمون } .
وقال قوم : معنى الآية ونحن لو جعلتنا في الأرض واستخلفتنا نسبح بحمدك . وهذا أيضاً حسن مع التعجب والاستعظام في قولهم : { أتجعل } .
ومعنى { نسبح بحمدك } ننزهك عما لا يليق بك وبصفاتك .
وقال ابن عباس وابن مسعود : «تسبيح لملائكة صلاتهم لله » .
وقال قتادة : «تسبيح الملائكة قولهم سبحان الله على عرفه في اللغة .
و { بحمدك } معناه : نخلط التسبيح بالحمد ونصله به( {[423]} ) ، ويحتمل أن يكون قوله { بحمدك } اعتراضاً بين الكلامين ، كأنهم قالوا ونحن نسبح ونقدس ، ثم اعترضوا على جهة التسليم ، أي وأنت المحمود في الهداية إلى ذلك .
{ ونقدس لك } قال الضحاك وغيره : معناه نطهر أنفسنا لك ابتغاء مرضاتك ، والتقديس التطهير بلا خلاف ، ومنه الأرض المقدسة أي المطهرة ، ومنه بيت المقدس ، ومنه القدس( {[424]} ) الذي يتطهر به .
وقال آخرون : { ونقدس لك } معناه ونقدسك( {[425]} ) أي نعظمك ونطهر ذكرك عما لا يليق به . قاله مجاهد وأبو صالح وغيرهما .
وقال قوم : نقدس لك معناه نصلي لك .
قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف( {[426]} ) .
وقوله تعالى : { إني أعلم ما لا تعلمون } الأظهر أن { أعلم } فعل مستقبل ، و { ما } في موضع نصب به ، وقيل { أعلم } اسم ، و { ما } في موضع خفض بالإضافة ، ولا يصح الصرف فيه بإجماع من النحاة ، وإنما الخلاف في أفعل إذا سمي به وكان نكرة ، فسيبويه والخليل لا يصرفانه ، والأخفش يصرفه .
واختلف أهل التأويل في المراد بقوله تعالى : { ما لا تعلمون } فقال ابن عباس : » كان إبليس- لعنه الله- قد أعجب ودخله الكبر لما جعله الله خازن السماء الدنيا وشرفه « . وقيل : بل لما بعثه الله إلى قتل الجن الذين كانوا أفسدوا في الأرض فهزمهم وقتلهم بجنده ، قاله ابن عباس أيضاً ، واعتقد( {[427]} ) أن ذلك لمزية له واستخف( {[428]} ) الكفر والمعصية في جانب آدم عليه السلام .
قال : فلما قالت الملائكة { ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك } وهي لا تعلم أن في نفس إبليس خلاف ذلك . قال الله لهم { إني أعلم ما لا تعلمون } يعني ما في نفس إبليس( {[429]} ) .
وقال قتادة : لما قالت الملائكة { أتجعل فيها من يفسد فيها } وقد علم الله تعالى أن فيمن يستخلف في الأرض أنبياء وفضلاء وأهل طاعة ، قال لهم { إني أعلم ما لا تعلمون } يعني أفعال الفضلاء من بني آدم . ( {[430]} )