صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف  
{وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (30)

{ لِلْمَلاَئِكَةِ } هم جند من خلق الله . ركز الله فيهم العقل والفهم ، وفطرهم على الطاعة ، وأقدرهم على التشكل بأشكال مختلفة ، وعلى الأعمال العظيمة الشاقة ، ووصفهم في القرآن بأوصاف كثيرة ، منها أنهم : { يُسَبِّحُونَ اللَّيلَ والنَهَارَ لاَ يَفتَرُونَ }{[15]} و { لاَ يَعصَونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ }{[16]}

ومنها : أنهم رسل الله أرسلهم بأمره ، ومنهم رسل الوحي إلى من اصطفاهم من خلقه للنبوة والرسالة ، قال تعالى : { جَاعِلِ المَلاَئِكَةِ رُسُلاً }{[17]} ، وقال تعالى : { اللهُ يَصطَفِي منَ المَلاَئِكةِ رُسُلاً ومِنَ النَّاسِ }{[18]} ، { يُنَزِّلُ المَلاَئِكةَ بالرُّوحِ مِن أَمرِهِ عَلَى مَن يَشَاء من عبَلدِه }{[19]}

جمع ملك ، والتاء لتأنيث الجمع ، واصله ملاك ، من ملك ، نحو شمال من شمل ، والهمزة زائدة ، وهو مقلوب مألك ، ثم سهلوه فقالوا : ملك . وقيل : إن ملأك من لأك إذا أرشل ، ومنه : الألوكة ، أي الرسالة .

{ خَلِيفَةً } هو من يخلف غيره و ينوب منابه ، فهو فعيل بمعنى فاعل ، والتاء فيه للمبالغة . والمراد يه آدم عليه السلام ، لأنه كان خليفة الله في الأرض . وكذلك سائر الأنبياء ، استخلفهم الله تعالى في عمارة الأرض وسياسة الناس ، وتكميل نفوسهم ، وإجراء أحكامه عليهم ، وتنفيذ أوامره فيهم . وقيل : آدم وذريته ، لأنه يخلف بعضهم بعضا في عمارة الأرض ، واستغنى بذكره عن ذكره ذريته لكونه الأصل .

{ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } الفساد : الخروج عن الاعتدال والاستقامة ، ويضاده الصلاح . يقال : فسد الشئ فسادا وفسودا ، وأفسده غيره . وقد عزف الملائكة وقوع ذلك من الإنسان بإخبار من الله تعالى أو إلهام ، ولم يقص علينا فيما حكى الله عنهم للإيجاز على عادة القرآن . والاستفهام : استكشاف عن الحكمة الخفية في هذا الاستخلاف ، مع ما سيترتب عليه من الإفساد وسفك الدماء .

{ وَيَسْفِكُ الدِّمَاء } السفك : الصب و الإهراق ، يقال : سفكت الدم والدمع سفكا – من باب ضرب- صببته ، والفاعل سافك وسفاك . والمراد به حصول التقاتل بين أفراد بني الإنسان ظلما وعدوانا .

{ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ } ننزهك عما يليق بعظمتك ، تنزيها متلبسا بحمدك والثناء عليك . من التسبيح ، وهو تنزيه الله من السوء على وجه التعظيم ، وهو مشتق من السبح ، وهو المر السريع في الماء أو في الهواء ، فالمسبح مسرع في تنزيه الله وتبرئته من السوء .

{ وَنُقَدِّسُ لَكَ } نطهر ذكرك عما لا يليق بك ، تعظيما لك وتمجيدا . من التقديس بمعنى التطهير ، ومنه : الأرض المقدسة ، وروح القدس . واسمه تعالى القدوس ، أي الطاهر . واللام في " لك " زائدة لتأكيد التخصيص .


[15]:آية 20 الأنبياء
[16]:ية 6 التحريم
[17]:آية 1 فاطر
[18]:آية 75 الحج
[19]:آية 2 النحل