مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (30)

{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ للملائكة } «إذ » نصب بإضمار «اذكر » . والملائكة جمع ملأك كالشمائل جمع شمأل وإلحاق التاء لتأنيث الجمع . { إِنّي جَاعِلٌ } أي مصير من جعل الذي له مفعولان وهما { فِي الأرض خَلِيفَةً } وهو من يخلف غيره «فعيلة » بمعنى «فاعلة » وزيدت الهاء للمبالغة والمعنى : خليفة منكم لأنهم كانوا سكان الأرض فخلفهم فيها آدم وذريته . ولم يقل خلائف أو خلفاء لأنه أريد بالخليفة آدم . واستغنى بذكره عن ذكر بنيه كما تستغني بذكر أبي القبيلة في قولك «مضر وهاشم » ، أو أريد من يخلفكم أوخلقاً يخلفكم فوحد لذلك ، أو خليفة مني لأن آدم كان خليفة الله في أرضه وكذلك كل نبي ، قال الله تعالى : { يا دَاوُودُ إِنَّا جعلناك خَلِيفَةً فِي الأرض } [ ص : 26 ] ، وإنما أخبرهم بذلك ليسألوا ذلك السؤال ويجابوا بما أجيبوا به فيعرفوا حكمته في استخلافهم قبل كونهم ، أو ليعلِّم عباده المشاورة في أمورهم قبل أن يقدموا عليها وإن كان هو بعلمه وحكمته البالغة غنياً عن المشاورة . { قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } تعجب من أن يستخلف مكان أهل الطاعة أهل المعصية وهو الحكيم الذي لا يجهل ، وإنما عرفوا ذلك بإخبار من الله تعالى ، أو من جهة اللوح أو قاسوا أحد الثقلين على الآخر . { وَيَسْفِكُ الدماء } أي يصب . والواو في { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ } للحال كما تقول : أتحسن إلى فلان وأنا أحق منه بالإحسان ؟ { بِحَمْدِكَ } في موضع الحال أي نسبح حامدين لك ومتلبسين بحمدك كقوله تعالى : { وَقَدْ دَّخَلُواْ بالكفر } [ المائدة : 61 ] ، أي دخلوا كافرين . { وَنُقَدِّسُ لَكَ } ونطهر أنفسنا لك . وقيل : التسبيح والتقديس تبعيد الله من السوء من سبح في الأرض وقدس فيها إذا ذهب فيها وأبعد . { قَالَ إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } أي أعلم من الحكم في ذلك ما هو خفي عليكم يعني يكون فيهم الأنبياء والأولياء والعلماء . و «ما » بمعنى «الذي » وهو مفعول أعلم والعائد محذوف أي ما لا تعلمونه . «إنى » حجازي وأبو عمرو .